مقال اهديه للباحث الكفيف محمد الصغير
بمناسبة مناقشته لرسالة الماستر في القانون الخاص
لقد خص الله عز وجل الانسان بصفات وإختصه بمميزات يمتاز بها عن باقي الكائنات، وهي صفات كرم الانسان بها، وفضل الله عزوجل قوما على اقوام وجعل أمة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس، ومن عظمته عزوجل ان جعل للكائنات البشرية حواس يتعرفون من خلالها على كل ما يحيط بهم في ملكوت الله بواسطة الادراك، ولحكمة ربانية سامية جعل بعض المخلوقات البشرية تفتقر لبعض الحواس ومنها حاسة البصر، والشخص الذي فقد هذه الحاسة سواء منذ الولادة او بسبب حادث عرضي أفقده بصره عانى منذ وجود الانسان من الاضطهاد ولازال يعاني من النظرة الدونية وليس هناك ادنى من ان يعامل الفرد في المجتمع كأنه عالة عليه.
ويعتبر الشخص الكفيف في المجتمع العربي انسان ناقص يعامل بشفقة مبالغ فيها بترقيق الصوت عند محادثته او رفعه على المستوى المعهود داخل مجموعة النقاش ضنا انه يفتقد ايضا حاسة السمع، او تجاهل وجهة نظره او الانبهار بها بشكل ملفت للنظر يجعل من الشخص الكفيف يشعر بما يشعر به الطفل الرضيع عند اولى محاولات زحفه على الارض، كما هناك مظهر آخر يظهر تلك النظرة الدونية للشخص الكفيف وهو السؤال عن أحواله من مرافق له ضنا انه أيضا إنسان أبكم أو ليس له القدرة الكافية على استيعاب السؤال وبسطه. فيما يتسارع البعض الى التبرك به بطلب دعواته عند اي مساعدة في التنقل او مد يد العون قد لا يكون الكفيف المبادر بطلبها، فهي صور غالبا تكون بحسن نية لكن تبقى ترسخ النظرة الدونية لما تخلفه من أثر في نفس الشخص الكفيف.
وتزداد حدة هذه النظرة مع اعتبار ان أي مرافق للشخص الكفيف يبغي وجه الله ورضاه ومن الصعب استيعاب ان تجمع علاقة صداقة او اي علاقة من اي نوع بين الشخص الكفيف والشخص المبصر، بل قد تراقب العين تحركات الشخص الكفيف ومرافقه وقد يلقى هذا الأخير الثناء والشكر والدعاء على طول مسار الطريق او الخدمة التي يقصدها، أو قد يدعوا الناس والكفيف يتحسس الطريق بقربهم ان يحفظهم الله بما ابتلى غيرهم بصوت مسموع يربك الشخص الكفيف ويجعل بنفسه حرارة تذيب الثلج، فيما كلمات العطف والشفقة تتقاطر عليه كلها تصب في باب يصور الشخص الكفيف انسان عاجز، اذ قد ينبهر افراد المجتمع من كفيف يتابع دراسته، او كفيف يتقن استخدام الحاسوب، بل تصيبهم الدهشة والاستغراب من ان الكفيف يلبس الثياب لنفسه ويأكل الطعام بيده ويقوم بحاجياته الضرورية بنفسه بدون ادنى مساعدة.
إن هذه النظرة والتصور نابعة من ترسيخ فكرة ان الشخص الكفيف انسان عاجز فلا يتصور ان يفعل شيء مفيذ للمجتمع، ولا يستوعب ان يقدم خدمة إنسانية للبشرية بإختراع يسهل حياتهم، بل يعد ضربا من الخيال ان يتميز الشخص الكفيف عن المبصرين، وهذه النظرة في حقيقة الامر تحقر من المبصر أكثر من الكفيف لانها تظهر قصوره الفكري والصورة التي رسمها في ذهنه عن الانسان الكفيف تعود لقرون خلت، فلم يعرف ولم يسعى لمعرفة قدرات الشخص الكفيف التي تتجاوز في مجالات قدرات المبصرين، الامر لا يتعلق بالحفظ فقط وهي الصورة التي يحملها كل مبصر عن الشخص الكفيف، بل تتجاوز ذلك بكثير الى اعداد برامج الحاسوب وتطويرها، الى صنع ألعاب الكترونية متطورة يقضي الشخص المبصر ساعات يومه في الاستمتاع بها وركوب التحدي للوصول الى آخر درجاتها.
وفي الاخير لا يسعنا الى ان نعيد التأمل في نظرتنا للشخص الكفيف ولكل شخص فقد عضوا من أعضائه، فأعاقه المجتمع بنظرته، ولنعترف ان الاعاقة الحقيقية ان نمر من الدنيا ولا نترك أثر يستدل به علينا، اما غير ذلك فهو أمر إيجابي يصب قي تكاملنا فلو كنا نتشابه لاستحالة الحياة، لسئمنا النظر في وجوه بعض مادامت متشابهة، لاصبنا بالملل من وجود خلقة واحدة متكاملة، فإختلافنا يضفي على الحياة رونقا خاصا وما خلقنا الا لنتكامل، فهي فسيفساء نحن نشكلها كيفما اردنا، لكنها الان فسيفساء بألوان بشعة تحتاج للمسة عاقلة ومدركة تجعل لكل لون دوره في اللوحة دون تهميش لاي لون، فقد يكون هو اللون الذي من أجله نمنح الامل لاعادة النظر في اللوحة قبل فوات الأوان.