الصحراء والربيع العربي
احتفالات المملكة بالذكرى الـ36 لانطلاق المسيرة الخضراء كان لها طعم خاص هذه السنة، التي حل فيها الربيع العربي ضيفا ثقيلا على الأنظمة وضيفا مرحبا به على الشعوب. لقد غاب «أول راع» لانفصال الصحراء عن المغرب.. ملك ملوك إفريقيا، العقيد القذافي الذي كان يكره الحسن الثاني ونظامه الملكي، والذي سلح ومول ودعم الصحراويين في بداية السبعينات، الشهر الماضي فقد مقعده في الجامعة العربية، وسقط حكمه الذي عمر 41 سنة في ثمانية أشهر، رغم أن القذافي غير الكثير من مواقفه تجاه المغرب منذ أن دخل في مشروع الوحدة مع غريمه الحسن الثاني في غشت 1984 تحت اسم الاتحاد العربي الإفريقي، الذي برر الحسن الثاني دخوله بالقول: «كان أبنائي يتعرضون لقصف مدفعين، أحدهما جزائري والثاني ليبي، وكان من واجبي إسكاتهما. بتوقيع هذه الاتفاقية تمكنت من جعل القذافي محايدا، وحصلت على التزامه بعدم تقديم أية مساعدة لأعدائي وللبوليساريو». هذا «الاتحاد الهجين» أعلن موته بعد أقل من سنتين على ولادته بعد زيارة شيمون بيريز إلى إفران في يوليوز 1986، وعاد القذافي إلى سيرته الأولى.. كان يكفي أن يعتذر الملك محمد السادس عن عدم حضور الاحتفالات البهلوانية الكثيرة للقذافي، الذي بدأ يصور نفسه إمبراطورا، حتى يغضب حاكم باب العزيزية، ويستدعي على عجل محمد عبد العزيز، زعيم البوليساريو، ويخصص له استقبال «الرؤساء»، نكاية في المغرب. القذافي لم يعد فوق هذه الأرض، وقبله رحل عن السلطة زين العابدين بنعلي، الذي كان يمسك العصا من الوسط، ويبتعد عن «الخوض» في نزاع الصحراء حتى لا يصطدم مع الجزائر، لكنه لم يكن يتردد في استعمال ورقة الصحراء لابتزاز المغرب. فعلها في السنوات الأخيرة مرتين على الأقل، الأولى عندما هدد بالاعتراف بالبوليساريو إذا لم يغلق المغرب مكتب الجزيرة في الرباط، ومرة عندما هدد باستقبال رموز البوليساريو في العاصمة التونسية إذا سمح المغرب للمعارض كمال الجندوبي (رئيس الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات الآن) بالنزول من طائرة «إير فرانس» بالدار البيضاء، أسابيع فقط قبل بداية الربيع التونسي، وفي كلتا الحالتين نجح في ابتزاز الرباط التي قدمت تنازلات من سيادتها لفائدة الشرطي الأول في العالم العربي.
قضية الصحراء ربحت موت نظامي ليبيا وتونس، وربحت أيضا حصار نظام ثالث هو الجزائر، الذي مازال يعد خسائره جراء دعم القذافي ونظامه ووقوفه في وجه الموجة الرابعة من الديمقراطية. وهو الأمر الذي جعل «جبهة البوليساريو»، ولمدة أكثر من ستة أشهر، تتوقف عن الحركة وهي مصدومة من الذي جرى، ولا تعرف كيف تواجه وضعا جديدا على المنطقة.. صار فيه صوت الديمقراطية يعلو على باقي الأصوات.
هذا هو الجانب المملوء من الكأس، الجانب الفارغ هو أن الدولة مازالت لم تجد بعد طريقها إلى ربح المعركة على أرض الصحراء. آثار مخيم أكديم إيزيك مازالت تتفاعل على الأرض، وتكشف عن خطورة «اللعب بالنار» في صحراء ساخنة، و«الكوركاس» مازال محارة فارغة، ووعود إعادة هيكلته لم تتحقق رغم مرور سنتين على إطلاق هذه الوعود، وميلاد نخب جديدة في الصحراء مازال معطلا بفعل «سياسة الريع» وضعف الدينامية السياسية في وسط قبلي معقد تعمد الدولة إلى إدارته لا إلى تغييره.
ت.بوعشرين