التحقيق في الجنح بين القانون والواقع
عبد النباوي: في حالات معينة يتم اللجوء إلى التحقيق في القضايا الجنحية دون مبرر
تتضارب الآراء بين من يقول بضرورة الإبقاء على التحقيق في الجنح ومن يعتبر ذلك غير مجد على اعتبار أنه في حالات معينة يتم اللجوء إليه دون أن يكون مبرر لذلك. الاختلاف هذا مرده إلى ما تعيشه المحاكم الابتدائية ونوعية القضايا المحالة على التحقيق، والطريقة التي يتم بها. ويتميز التحقيق الإعدادي بعدة خصائص، أبرزها أنه ذو طبيعة قضائية، إذا أن قاضي التحقيق حكم وليس خصما. وخلال اللقاء الذي جمع الصباح بوزير العدل، تحدث محمد عبد النباوي مدير الشؤون الجنائية بوزارة العدل عن إشكالية التحقيق، التي خلقت حسبه نقاشا واسعا ومتشعبا، بين مؤيد لإلغائه في الجنح ومن يقول أن وجوده يشكل ضمانات أوسع لفائدة الأطراف.
واعتبر عبد النباوي أنه من الناحية العملية لا يأتي قضاء التحقيق بجديد، بل ينسف في العديد من الحالات التحقيق ليس عن صواب لإنكار ما وقع الاعتراف به في محاضر الشرطة القضائية، وهذا ما دفع المشرع إلى القول بإجبارية التحقيق في الجنايات التي تصل العقوبة فيها إلى السجن المؤبد واختياري في غيرها من الجنايات. وأضاف مدير الشؤون الجنائية أن التحقيق في الجنح ربطه المشرع بتلك التي تصل العقوبة فيها إلى خمس سنوات، على اعتبار أن هناك بعض الجرائم التي تتطلب تحقيقا خاصة ما يعرف بجرائم الأموال التي تطلب خبرة وإجراء فحوصات أو غيرها ، إذ أن مدة الحراسة النظرية في مثل هذه الجرائم لا تمكن الشرطة القضائية من إنهاء البحث بشكل جدي سواء لإثبات الجريمة أو دحضها. ولا يوجد في النظام القضائي المغربي ما يوازي ما عليه الأمر في النظام القضائي المصري مثلا، إذ أن النيابة العامة تحقق بنفسها وتؤدي إلى تمديد اعتقال المعني بالأمر أياما إضافية أخرى من أجل إتمام البحث في تلك القضية .
لذلك حسب عبد النباوي، كان لزاما ترك هذه النافذة مفتوحة، من أجل اللجوء إليها كلما اقتضت مصلحة الأبحاث ذلك، إلا أنه يلاحظ للأسف في بعض الأحيان اللجوء إلى المطالبة بالتحقيق في القضايا الجنحية دون أن يكون المبرر موضوعيا يتعلق بالبحث في الجريمة، إذ يتم في بعض الجهات استعمال هذه الإمكانية بطريقة غير منطقية، وقال «نحن نحاول أن نحسس المحاكم سواء في الاجتماعات أو بواسطة مناشير بأنه لا يلجأ في الجنح إلى التحقيق إلا إذا كانت ضرورة البحث تقتضي ذلك، فالتحقيق في الجنح موضوع لتعميق البحث وليس للتهرب من المسؤولية». وأضاف «أعتقد أن هذا الوضع يشكل خللا يستلزم منا مزيدا من الجهد للقضاء عليه، وسيكون من العبث إلغاء التحقيق في الفترة الحالية التي نحن مقبلون فيها على محاربة الفساد المالي وجرائم غسل الأموال التي تتطلب تحقيق انتدابات قضائية، ما يتطلب وقتا أوسع من الوقت الذي تسمح به الفترة التي يكون فيها الشخص تحت الحراسة النظرية». ولم يخف المدير أن الأمر يتطلب مجهودا مضاعفا من أجل ترسيخ ثقافة عدم اللجوء إلى التحقيق، إلا إذا كان مجديا في القضية، وهو أمر منوط بالسلطة التقديرية لقضاة النيابة العامة، حسب قوله.
ك.م