جعلت كلماتي تبتدأ بسؤال عريض منطقي مع ما نرى في حياتنا داخل مجتمعنا وداخل المحيط القريب الذي ننتقل داخله، داخل مجموعة أصدقائنا في يومنا ونهارنا يطرح سؤال بارز يكاد لا يغيب عن كل ضمير حي، هذا السؤال هو هل نحن راحلون؟، فهو سؤال لا يشكك في مسألة رحيلنا، بل فقط يشكك في مدى استيعابنا لمسألة ان وجودنا في الدنيا له نهاية، ينطلق هذا التشكيك في عدم استيعابنا لمسألة الرحيل من التأمل في تصرفاتنا وعلاقاتنا، ومن خلال النظر في أعمالنا وأحاسيسنا، بمعنى آخر أكثر وضوح لا شيء ينم عن اننا مستوعبون لرحيلنا.
فإن كان الرحيل هو النهاية فهل من مبرر لتفسخ قيمنا وتحولنا الى آلات مولدة للكراهية والاحتقار؟ بل هل من المنطقي ان يبيع الانسان مشاعره وضميره وهو مدرك لرحيله؟، وكيف يرتب الانسان علاقاته وفق معيار الربح والخسارة وهو مدرك ان الدين هو المعاملة؟ وكيف تطاوعنا أنفسنا ان نظلم بعض ونحن نردد دائما الظلم ظلمات يوم القيامة؟
أصبحنا مثل المريض المخذر جسمه في غرفة العمليات، لا بل نختلف عنه فهو يعرف الداء فيما نحن لا نسعى الى معرفة الداء ونتباهى اننا بصحة جيدة بل كل شيء على ما يرام، نعم نتباهى بذلك، حتى ان حاولنا ان نكذب على انفسنا ونقول أننا على ما يرام، فمتى كان الابن يغتصب أمه؟ ومتى كان الرجل يزني بإبنته؟ وأي لعنة تجعل شخصا راشدا يغتصب طفلة أو طفلا لا يتجاوز السنتين او يجعل شابا يغتصب عجوزا تجاوزت التسعين سنة؟ ومتى وأين وكيف وإلى متى سنبقى على حالنا، كلها ادوات لغوية تعمق الجراح لاننا نعجز ان نجيب عن كل ما جاء بعدها.
إن واقعنا أصبح محزن ولا يبعث على الامل لكن الامل في الله لا يغاذر كل قلب مؤمن، فإلى متى سيستمر التهميش الممنهج لطاقات طال المقام بها تنتظر فرصة قد تأتي وقد لا تأتي لانها غير مرتبطة بقدرات علمية او حسابات منطقية، فهل التلاعب بمصير عباد الرحمان ينم عن استيعاب ان هناك نهاية؟
كلها أسئلة تحرق القلب وتجعل به حزنا عميقا، لن يرفعه كلاما عقيما في برنامج إنتخابي ولا في مؤتمر خطابي، ولا في وعود سياسوية فارغة المحتوى، متى سنعترف أننا نظلم بعض ومتى نستوعب أننا راحلون؟