1 - مقدمة
العقوبة حاجة مجتمعية يقدرها المجتمع في كل بيئة وفقا لحاجياته أخذا بعين الاعتبار قيما معينة، ومن هذا المنظور اتصلت عقوبة الإعدام عبر العصور بفكرة العقاب في ظل السياسة الجنائية القائمة، ولم تكن هذه العقوبة تثير مشاكل فقهية أو فلسفية تذكر، حين كان الفكر الجنائي يعني بالفعل الإجرامي، غير أن تطور هذا المنظور نحو الاهتمام بشخص المجرم، جعل الأفكار تتجه نحو أنسنة العقوبة، والتلطيف منها، واستعمالها كوسيلة للإصلاح.
وأمام هذا التطور عرف سؤال جدوى عقوبة الإعدام طريقه نحو الاتجاهات الفكرية التي تناولت بالبحث والتحليل فلسفة العقوبة، خاصة بعدما ارتبطت عقوبة الإعدام بأبعاد نفسية واجتماعية ودينية.
فكيف يتعامل المشرع المغربي مع الموضوع ؟
- الملامح العامة لعقوبة الإعدام في التشريع المغربي
اعتبر المشرع المغربي من خلال منظومته الجنائية عقوبة الإعدام عقوبة جنائية أصلية، بل ووضعها من حيث سلم التراتبية في أعلى الهرم. وبالرغم من هذا التصنيف، فقد حاول التلطيف من الأمر بأن أعطى للمحكمة صلاحية تمتيع المتهم بظروف التخفيف وتطبيق عقوبة السجن المؤبد أو السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة ما لم يوجد نص قانوني مانع، إذا ما تبين لها أن عقوبة الإعدام عقوبة قاسية بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة من طرف المتهم أو بالنسبة لدرجة إجرامه.
كما أوجد إمكانيات تشريعية تبيح للمحكمة تعويض عقوبة الإعدام أو تحويلها أو تخفيضها أو استبدالها حسب الأحوال، كما هو الشأن بالنسبة لاستبدال عقوبة الإعدام بعقوبة تتراوح بين عشرة سنوات أو خمسة عشرة سنة سجنا بالنسبة للأفعال المنسوبة للأحداث.
وبالموازاة مع ذلك وعلى طريق إقرار بعض الضمانات الإجرائية المصاحبة للحكم بعقوبة الإعدام جعل التحقيق إلزاميا في الجنايات المعاقب عليها بهذه العقوبة.
3 - الصور التجريمية المعاقب عليها بالإعدام
إن المتتبع للصور التجريمية المعاقب عليها بالإعدام في التشريع المغربي عبر مختلف القوانين الجنائية يجدها موزعة بين تلك المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي والتي ضمت الحيز الأكبر من هذه الجرائم ويمكن حصرها في فئات تجريمية تشمل أساسا الجرائم الإرهابية والجرائم الماسة بالحق في الحياة بالسلامة البدنية للأشخاص، واستعمال وسائل التعذيب أو ارتكاب أعمال وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية والإحراق والتخريب إضافة إلى الجنايات والجنح ضد أمن الدولة الداخلي أو الخارجي والجنايات التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام ... إلخ.
أما المجموعة الثانية فتهم تلك المنصوص عليها في قانون زجر الجرائم الماسة بصحة الأمة والتي هي بالأساس أفعال القيام بقصد الاتجار بصنع منتوجات أو مواد معد للتغذية البشرية وخطيرة على الصحة العمومية أومسكها أو توزيعها أو عرضها للبيع أو بيعها.
ثم أخيرا مجموعة الجرائم المنصوص عليها في قانون العدل العسكري بالنسبة للجرائم العسكرية.
4- تنفيذ عقوبة الإعدام في القانون المغرب
لقد أفرد المشرع المغربي لتنفيذ عقوبة الإعدام مقتضيات خاصة موزعة بين قانون المسطرة الجنائية والمرسوم التطبيقي للقانون المنظم للمؤسسات السجنية وعموما يمكن التمييز تبعا للمقتضيات المذكورة بين مرحلتين :
I - مرحلة ما قبل التنفيذ
بالنظر لخطورة عقوبة الإعدام فقد ألزم المشرع النيابة العامة بأن تنهي إلى علم وزير العدل – باعتباره المسؤول عن السياسة الجنائية – كل قرار بعقوبة الإعدام بمجرد صدوره، ولأن الأمر يتعلق بفئة من المحكوم عليهم خصهم المرسوم التطبيقي للقانون المنظم للمؤسسات السجنية بنظام خاص، فأجاز ترحيلهم إلى مؤسسات تتوفر على حي معد لهذه الفئة من المعتقلين بمجرد النطق بالحكم، وأخضعهم لنظام للاعتقال الانفرادي حسب الإمكان، مع التنصيص على ضرورة إيلاء هذه الفئة من المحكوم عليهم عناية خاصة تمكن من دراسة شخصيتهم وتتبع حالتهم النفسية والحفاظ على توازنهم لتفادي كل محاولة هروب أو انتحار أو إضرار بالغير. كما سمح لهم نفس المرسوم بمزاولة بعض الأشغال بعد استشارة الطبيب والمشرف الاجتماعي. وكذا الاستفادة من زيارة أفراد عائلتهم، وأوليائهم وأصهارهم والاتصال بدفاعهم بحرية في قاعة معدة لهذه الغاية.
ونظرا لما يمكن أن يوقعه نبأ قرار رفض طلب العفو في نفسية المحكوم عليهم فقد منع المشرع تبليغه إلى المحكوم عليه بالإعدام.
II – بعد مرحلة التنفيذ
لقد أوقف المشرع المغربي تنفيذ عقوبة الإعدام على قرار رفض طلب العفو، وقيد تنفيذها بالنسبة للمرأة التي ثبت حملها، بمرور سنتين على وضع حملها. وبعد ذلك يتم تنفيذ عقوبة الإعدام سرا بأمر من وزير العدل رميا بالرصاص، بواسطة السلطة العسكرية داخل المؤسسة السجنية التي يوجد المحكوم عليه رهن الاعتقال بها، إلا إذا قرر وزير العدل أن يكون التنفيذ علنيا أو في مكان آخر يعنيه، كل ذلك وفق طقوس تشريعية خاصة تنتهي بتحرير محضر تعلق نسخة منه بباب المؤسسة السجنية التي وقع فيها التنفيذ لمدة أربعة وعشرين ساعة أو بباب بلدية مكان التنفيذ إذا وقع ذلك خارج المؤسسة السجنية. وبناء على طلب، تسلم جثة المحكوم عليه إلى عائلته، على أن تلتزم بدفنه في غير علانية، وإلا فيتم دفنه من طرف الجهات المختصة بمسعى من النيابة العامة.
5 - خلاصات ونتائج
إن التشريع الجنائي المغربي ما يزال محتفظا بعقوبة الإعدام، وينهج قضائيا سياسة التقليص والحد من الحكم بها وتنفيذها، كما أن العفو الملكي يلعب دورا هاما في إعادة التوازن للسياسة العقابية، بشكل يمكن أن يستنتج معه أن التطور يسير نحو الإلغاء الواقعي لهذه العقوبة، بالحد التدريجي منها، وتجديد العقوبة الصادرة بها بعدما احتد سؤال الإلغاء التشريعي لهذه العقوبة، في ظل الظرفية الدولية الحالية، على خلفية تنامي جرائم الإرهاب، وارتفاع وثيرة الجريمة المنظمة.
غير أنه إذا كانت الظرفية الراهنة قد لا تتلاءم مع الإلغاء التشريعي، فإن الوصول إلى هذا الإلغاء، يمكن أن يتحقق استقبالا مع تغير الظروف، ومع التطور التدريجي للرأي العام. مع التأكيد على أن موضوع العقوبة العظمى، يجب أن يناقش في ضوء قيم وواقع وخصوصيات كل مجتمع. كما أن هذا الموقف الذي يجسده التشريع المغربي لا ينفي وجود إرادة قوية تدفع إلى التفكير والتأمل الهادئ والرصين في موضوع عقوبة الإعدام، ولعل انعكاس ذلك ما تعبر عنه الدلالات القوية للعديد من المؤشرات التي يمكن أن نذكر من بينها:
- عدم تطبيق عقوبة الإعدام في المغرب منذ سنة 1993،
- تكرار مبادرة العفو الملكي في حق المحكوم عليهم بالإعدام،
- مجموع المحكوم عليهم بالإعدام لا يتجاوز 125 ،
- تسجيل نوع من التروي القضائي في النطق بهذه العقوبة،
-حضور الموضوع في صلب اهتمامات الفاعلين في السياسة الجنائية على المستوى الفكري.
وختاما ينبغي التذكير أن الاعتقاد أصبح راسخا بضرورة إعادة النظر في تراتبية سلم جرائم والعقوبات وإعادة تصنيفا تصنيفا جديدا ملائما للواقع الجنائي الحالي، بشكل تكون معه العقوبة منتجة وهادفة. وهو ما يقتضي ضرورة الانكباب على مراجعة واقع عقوبة الإعدام – ليس بالضرورة نحو الإلغاء – لكن بالضرورة نحو الأخذ بعين الاعتبار كل التوجهات الفكرية والحقوقية السائدة للاستخلاص ما يخدم المصلحة العليا للبلاد بكل مسؤولية.