نقصد بالإطار القانوني والقضائي للجريمة، التشريع الجنائي الذي نظم به المشرع المغربي جريمة الإجهاض، أما الشق القضائي، فيتعلق بالتطبيق العملي للنصوص السابقة الذكروالمتمثلة في الاحكام والقرارات والاجتهادات القضائية، على أساس التعليق عليها ،لمعرفة مدى حسن تطبيقها وتكييفها للوقائع المعروضة بشأنها.
المبحث الأول: التشريعات المنظمة للجريمةسيشتمل هذا المبحث على مطلبين، المطلب الأول سيخصص للنصوص القانونية المنظمة في القانون الجنائي المغربي، والمطلب الثاني سيكون على مستوى التشريعات المظمنة في الشريعة الإسلامية.
المطلب الأول: نصوص القانون الجنائي المغربيلم يكن في القانون الجنائي المغربي نصوص خاصة بجريمة الإجهاض في عهد الحماية بحيث كان هناك فقط ظهيرصدر في 10/07/ 1939الذي يعاقب على الدعاية والتحريض على التقليل من الانجاب والتناسل ، إلى أن صدر ظهير في 17/06/1963 حيث نظم جريمة الإجهاض عبر تسعة مواد من الفصل 449 إلى الفصل 458 من القانون الجنائي المغربي، وفي فاتح يوليو 1967، أي بعد 4 سنوات ، صدر مرسوم بتغيير الفصلين 453 و455، وهذا التعديل شمل التوسيع في حالة السماح بإجهاض المرأة الحامل شرط إشهار الطبيب الرئيس للعمالة أو الإقليم بأن المحافظة على صحة الأم تستوجب إجهاضها، وسواء برضى الزوج أو بغير رضاه .
على هذا الأساس للحديث عن النصوص القانونية المنظمة للجريمة سنتطرق لعناصر الجريمة للوقوف على الأفعال التي تكون الجريمة (فقرة أولى) ، تم نخوض في الظروف المشددة في جريمة الإجهاض. (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: عناصر جريمة الإجهاضعناصر جريمة الإجهاض ستشمل ثلاث نقط أساسية تتمثل في الفعل المادي للجريمة (أولا) ، ثانيا انتفاء الخطر على الأموالمتمثل في عدم وجوب ضرورة المحافظة على صحة الأم ، وثالثا توفر القصد الجنائي.
أولا: الفعل المادي لم يحدد المشرع المغربي في الفصل 449من القانون الجنائي المغربي كل صور النشاط المكونة للركن المادي في جريمة الإجهاض، وإنما سرد بعض الأمثلة لهذا النشاط، كإعطاء الحامل طعاما أو شرابا أو عقاقير، أو ممارسة العنف، لذلك أردف قائلا <<وبأية وسيلة أخرى>> ومادام أن تلك الأمثلة لم يقصد بها الحصر، فإن كل وسيلة استعملت بقصد إسقاط الجنين من رحم الأم قبل الوقت اللازم للوضع تكون الركن المادي في هذه الجريمة .
نخلص إذن من قول المشرع أن العبرة بعملية إسقاط الجنين، وليس بالطريقة أو الوسيلة المستعملة لأنها كثيرة ولا يمكن حصرها.
لكن الإشكال المطروح هنا، ماذا لو قامت المرأة الحامل بإجهاض حملها لدى طبيب مثلا، وخرج الجنين سليما وحيا، هل تقوم جريمة الإجهاض؟
جواب هذا السؤال نجده لدى فقيهنا الأستاذ أحمد الخمليشي قائلا:>> << فتجريم الإجهاض لم يقصد به، حماية مجرد مكوث الجنين في مستقره الطبيعي إلى أن ينفصل عنه تلقائيا وبصورة طبيعية، وإنما المقصود هو حماية الجنين وحماية سلامته الجسدية، فإذا خرج تام الخلقة سليما لن يتحقق الإجهاض، وإن تم إخراجه بوسائل اصطناعية قبل موعد المخاض الطبيعي، ودون أن تستدعي ذلك ضرورة طبية لصالح الأم أو لصلاح الجنين نفسه نعم تقوم الجريمة، اذا ترتب على تصرف الفاعل موت الجنين ولو كان القصد إخراجه حيا كما تقوم كذلك إذا أصيب بضرر جسماني أو صحي خطير، إذ في كل ذلك يتحقق الاعتداء على الجنين بسبب الطرد الإجباري الذي قام به الفاعل عن قصد، وهو ما يجرمه النص الذي يعاقب على الإجهاض .
أما فيما يخص المحاولة وطبقا للتعريف المنصوص في المادة 14 من القانون الجنائي المغربي فإن المحاول يكون دائما فاعلا أصليا، أي أنه يقوم بالتنفيذ المادي لبعض عناصر الجريمة أو يكون على الأقل عازما على القيام بها، أما من لا يعتزم القيام بالفعل المادي للجريمة فلا يصح اعتباره محاولا"، لأنه ليس بفاعل أصلي. أيا كان الدور الذي قام به لمساعدة المنفذ المادي للجريمة .
ثانيا: انتفاء الخطر على صحة الحاملبناء على الفصل 453 ق. ج (المعدل في مرسوم 1 يوليو 1967)، فالمشرع لا يعاقب على الإجهاض إذا تطلبته إما ضرورة المحافظة على صحة الأم، كأن تكون هذه الأخيرة مصابة باضطرابات هرمونية يصعب معه إيقاف النزيف بعد الولادة أو العادات الشهرية التالية لها، أو كانت الأم مصابة بسرطان في عنق الرحم أو غشائه، أو كانت ضعيفة القلب لا تحتمل طول مدة الحمل بدون مخاطر عليها أو على الجنين، أو مصابة بمرض السكري المتقدم... أو بالأحرى لضرورة إنقاذ حياتها التي تستوجب الإجهاض محافظة على صحة الأم، لكن إذا انتهى الخطر، فإن العقاب يكون واجبا على الفاعل مهما كانت النتيجة .
ومن ناحية ثانية فإن المادة 453 ا السابقة، سمحت للطبيب وحده بتنفيذ الإجهاض في حالة وجود الخطر السالف الذكر، فإذا قام بالإجهاض غير الطبيب اعتبر مرتكبا للجريمة ولو ثبت وجود الخطر على صحة الأم ، لأن الإجهاض في هذه الحالة يعتبر علاجا طبيا وهو علاج خطير، والقانون لا يسمح لغير الطبيب القيام بمثل هذه العلاجات .
ثالثا القصد الجنائيتقوم جريمة الإجهاض إذ توافر فيها القصد الجنائي وهو يقوم كذلك إذ كان منفد الفعل المادي يعلم أنه يقوم بنشاط مخالف للقانون الجنائي، ويسعى في نفس الوقت بفعله إلى إجهاض امرأة حبلى، أو يظن أنها كذلك .
والإجهاض وإن كان مستحيلا في حالة انعدام الحمل إلا أن تجريم الإجهاض لم يقصد به حماية الجنين وحده، بل كذلك حماية سلامة الحامل، والمواد المستعملة في الإجهاض لا سيما البعض منها، تعرض سلامة المرأة للخطر كانت حاملا أو غير حامل .
ومثال تخلف القصد الجنائي كأن يعطي شخص للحامل دواء معينا فيتسبب في القضاء على الجنين وإجهاضه وهو يجهل تماما أنها حامل، أو قام بعملية قيصرية لحامل في شهرها السابع لكونها مصابة بمرض السكر المتقدم، ففي هاتين الحالتين أو أمثالهما، لا يعاقب الفاعل عن الإجهاض فتخلف القصد الجنائي لديه، لكنه مع ذلك قد يسأل عن جريمة غير عمدية وفيصبح بذلك ميرتكبا لجريمة نتيجة إهمال أو خطأ، بحيث تكون متابعته عن الإصابة أو القتل طبقا للفصلين 432 أو 433 من القانون الجنائي بحسب الأحوال .
الفقرة الثانية: الظروف المشددة في الجريمةتنص الفقرة الثانية من المادة 449 من القانون الجنائي المغربي << وإذا نتج عن ذلك موتها، فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة...>> فالظرف المتمثل في موت السيدة هو ظرف مشدد للعقوبة، وهي جناية منصوص عليها وعلى عقوبتها في الفقرة الثانية من الفصل 449 من القانون الجنائي، ويجب حتما أن يبنى الاتهام في هذه الجريمة على خبرة طبية يجريها الطب الشرعي ويجب أن تتحدد نتيجة لهذه الخبرة علاقة سببية بين العمليات المستعملة قصد الإجهاض وبين الوفاة .
وقد شدّد المشرع في عقوبة الإجهاض في ثلاث حالات وهي الإجهاض الذي ينجم عنه موت المرأة (أولا)، ثانيا ممارسة عملية الإجهاض على سبيل الاعتياد، وثالثا المساعدة على الإجهاض.
أولا : موت المرأة وهي التي ينجم فيها عن الإجهاض موت المرأة، وهذا عملا بالفقرة الأخيرة من الفصل449 من القانون الجنائي المغربي و التي قررت بأنه :إذا نتج عن الإجهاض موت المرأة فالعقوبة هي السجن من 10 إلى عشرين سنة.
مع ملاحظة أن الفصل 450 من القانون الجنائي المغربي جوز للمحكمة الحكم على الفاعل بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من القانون الجنائي المغربي وبالمنع من الإقامة من خمس سنوات إلى عشر سنوات .
وتطبق العقوبة المشدّدة سواء تم الإجهاض بموافقة المرأة أو بدون موافقتها .
و جدير بالذكر أن المشرع قد نصّ صراحة على سريان الظرف المشدد السابق على المحرضين (الفصل 455 ق. ج.م) ، والمساعدين (ف 451 ق ج.م).
ثانيا الاعتياد ويقصد به تكرار قيام بالعملية المجرمة حتى صارت عادة له كالطبيب الذي اشتهر بإجهاض الراغبات في ذلك دون ضرورة .
وهو ما تقضي به المادة 450 من القانون الجنائي المغربي ، بأنه <<إذا تبث أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها في المادة السابقة بصفة معتادة، ترتفع عقوبة الحبس إلى الضعف في الحالة المشار إليها في الفقرة الأولى، ويكون السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في الحالة المشار إليها الفقرة الثانية.
وفي الحالة التي تطبق فيها عقوبة جنحية فقط حسب هذا الفصل، أو الفصل 450 من القانون الجنائي المغربي ، فإنه يجوز علاوة على ذلك أن يحكم على الفاعل بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من القانون الجنائي المغربي ، وبالمنع من الإقامة من خمس إلى عشر سنوات.
والاعتياد يستنتج ويقدر من طرف القاضي بالنسبة لكل متهم و داخل كل نازلة حسب ظروف وملابسات ممارسة الجاني وبالنظر لعدد المرات التي قام فيها بعمليات الإجهاض ، لان القانون لم يحدد عدد المرات بالضبط التي يتحقق بها الاعتياد ويبقى الأمر متروكا إلى القاضي الذي عليه التأكد من أن الجاني اعتاد وألف القيام بعمليات الإجهاض وانساقت نفسه إليه، كما هو الحال بالنسبة لجرائم الاعتياد عموما .
وبذلك كان المشرع موفقا حينما شدد العقاب على هذا الصنف من المجرمين المعتادين في الفصل 450 من القانون الجنائي المغربي.
ثالثا: المساعدة والتحريضيعاقب المشرع على المساعدة والتحريض بالعقوبات المقررة في الفصلين 449 و450 من القانون الجنائي المغربي ، وذلك بحسب الأحوال، الأطباء، الجراحين، ملاحظي الصحة، أطباء الأسنان، القابلات والمولدات والصيادلة وكذلك طلبة الطب أو طب الأسنان أو الصيدلة، وعمال الصيدليات والعشابون والمضمدون، وبائعو الأدوات الجراحية والمصرفون والمدلكون والمعالجون بالتسبب، والقابلات العرفية، إذا هم أرشدوا إلى وسائل تحدث الإجهاض أو نصحوا باستعمالها أو باشروها بالفعل (فصل 451 من القانون الجنائي المغربي) كما يحكم على من قام بالمساعدة طبقا للفصل السابق علاوة على تلك العقوبة، بالحرمان من مزاولة المهنة إما بصفة نهائية أو لمدة معلومة حسب الفصل 451 من القانون المغربي الجنائي.
وتنص المادة 455 من القانون الجنائي على معاقبة عموم المحترفين والبائعين والعارضين للبيع، والموزعين للأدوية أو مواد أو أجهزة أو أشياء كيفما كان نوعها ويعلمون أنها معدّة للإجهاض، يتعرضون كذلك لظرفي التشديد السابقين .
أما المحرضون على الإجهاض فقد عاقبهم المشرع في الفصل455 من القانون الجنائي المغربي (المعدلة)، بالسجن من شهرين إلى سنتين وغرامة. أو بإحدى العقوبتين فقط، وهذه العقوبة واجبة كيفما كانت طريقة التحريض، وبغض النظر عن النتيجة التي أدت إليها سواء وقع الإجهاض فعلا أو لم يقع .
المطلب الثاني: القانون الجنائي الإسلاميإن اقتراف جريمة الإجهاض سواء بانفصال الجنين ميتا أو حيا قبل الأوان، أو بموته داخل الرحم، وسواء وقع من الأم أو الأب أو الطبيب أو أجنبي، اختياريا أو إجباريا، ماتت معه الأم أو بقيت حية، ومهما كانت الوسيلة المستعملة في ذلك، فهو يلحق بالجاني الإثم والذنب، ويستلزم (الحكم الديني) ومن أجل طلب المغفرة من الله، لابد وأن تصدر فيه عقوبة معينة ومن بينها: الغرة(أولا) ثانيا الكفارة، ثالثا التعزير، رابعا الحرمان من الإرث، خامسا القصاص، سادسا الدية، وسنحاول الوقوف عن كل عقوبة من هذه العقوبات.
أولا: الغرةالغرة شرعا هي اسم العبد أو أمة، أو فرس، ويمكن تعريفها على أنها مبلغ مالي يعادل ثمن غرة، فيدفع لورثة الجنين في حالة الاعتداء عليه بالقتل أو الإسقاط قبل الأوان، فيمكن القول أنها دية خاصة في ظروف خاصة وهي تلك الظروف التي ترتكب فيها جريمة الإجهاض قبل تمام الوقت الذي يمكن أن يعيش فيه الجنين .
وقد ثبثت مشروعية وجوب الغرة في السنة الشريفة والإجمال والمعقول وسنحاول وضع بعض الحجج على مشروعيتها في الأدلة التالية: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: << اقتلت امرأتان من هديل، رمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها (وفي رواية: فطرحت جنينها)، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة (أمة)، وقضا بدية المرأة على عاقلتها.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أن امرأة ضربتها ضرتها بعمود فسطاط (خيمة) فقتلتها وهي حبلى فأتي بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى فيها على عصبة القاتلة بالدية في الجنين (الغرة)، فقال عصبتها: أفذي ما لا طعم ولا شرب ولا صاح ولا استهل مثل ذلك يظل؟ فقال عليه الصلاة والسلام سجع مثل سجع الأعراب "وفي رواية أخرى إنما هذا من إخوان الكهان .
وقد أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على وجوب الغرة في الجنين الذي يسقط من الجناية.
ثانيا: الكفارة الكفارة في اللغة مأخوذة من الفعل كفّر بمعنى غطّى وستر، يُقال كفّر فلان عن ذنبه أي ستره، وكفر الله الذنب أي محاه وغفره، أي أن التكفير هو تغطية المعاصي والآثام من أجل إزالتها وكأنها لم تقع قط.
أما الكفارة شرعا فهي: مال أو صوم وجب بسبب مخصوص . و يمكن تعريفها على أنها العقوبة المقررة على المعصية يقصد بها التكفير عن ارتكابها وهي أقرب إلى العبادات وبالتالي لا تصح إلا بالنية.
والأصل في مشروعيتها قوله تبارك وتعالى: << وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا >>.
ثالثا التعزير التعزير لغة هو التأديب والمنع، والردع عن القبيحة وشرعا هو تأديب الجاني من قبل الإمام أو نائبه لارتكابه محظورات شرعية لم تشرع فيها الحدود ولم توضع لها، فالتعزير في مفهوم الشرع ينبسط على عامة العقوبات الرادعة التي يقصد بها التأديب والزجر، عن اقتراف كافة المعاصي والخطايا التي لها تقدير محدد في الشرع ويكون في غير جرائم الحدود والقصاص، بل قد يكون التعزير دونما ارتكاب لمحظورات سدّا لذريعة الفساد وحماية للمصلحة العامة، وإذا علمنا أن الإجهاض جناية محظورة، فيه اعتداء على روح الإنسانية والخلقة الربانية وتهديد لنسل الأمة الإسلامية وانتهاك لحقوق الجماعة والأفراد فإن التعزير على هذا الأمر أمر مشروع حسبما يراه القاضي وأهل القرار.
وقد يتخذ التعزير شكل توبيخ، جلد، حبس، إبعاد، سجن، غرامة.....
رابعا: الحرمان من الميراثذهب الفقهاء إلى أن القاتل يحرم من الميراث، ولا يجازى بفعلته الشنيعة بشيء من الميراث مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم <<ليس لقاتل ميراث>>. وعليه إذا اقترف أحد الورثة الإجهاض بحق الجنين فإنه لا يرث شيئا من ديته أو الغرة، أو من باقي الحقوق المحفوظة للجنين في الشرع الإسلامي.
خامسا: الديةالدية في اللغة هي حق القتيل مما يُدفع لأوليائه من المال وأصلها من الأداء فتقول ودّيت فلانا أي أعطيته حقه.
وشرعا هي المال الذي هو يعدل النفس، أو هي المال الواجب بجناية الحر، في نفس أو في ما دونها، وتجب الدية في الحالات التي يسقط فيها القصاص، أو اختلال شرط من شروط وجوبه، أو في حالة كون الضرب المفضي إلى الإجهاض غير عنيف فتجب الدية .
المبحث الثاني: الإجهاض في العمل القضائيسنتحدث في هذا المبحث عن العمل القضائي الذي يشكل التطبيق العملي للنصوص القانونية السالفة الذكر، وبالتالي سنقوم بالتعليق على قرارين قضائيين (المطلب الأول)، ثم اجتهادين قضائيين (المطلب الثاني).
المطلب الأول: التعليق على قرارين صادرين عن محكمة النقضبما أن التعليق سيشمل قرارين سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين للتعليق على كل قرار :
الفقرة الأولى: التعليق على قرار صادر عن محكمة النقضأصدرت محكمة النقض قرارا عدد 186/1 بتاريخ 6/3/2013، عدد 49/85/2012 وكان الدافع نحو طلب نقض الحكم المستأنف، هو انعدام تعليله، ودون ذكر الأسباب الواقعية والقانونية التي يبنى عليها.
وبما أن محكمة النقض هي محكمة قانون، تنظر في مدى حسن تطبيق القانون، فسنسرد وقائع الملف بشكل مقتضب وهي على الشكل التالي : حيث أكدت الطاعنة، أنها كانت على علاقة جنسية غير شرعية مع المدعى عليه، لمدة 3 سنوات، فنجم عن هذه العلاقة حمل غير شرعي مما اضطر بالمدعى عليه، مطالبة المدعية بإجهاض حملها والتخلص منه، فرفضت هذه الأخيرة فاقترح عليها الزواج منها، وتحمله المسؤولية اتجاه ابنه، على أن يقوم بتهجيرها نحو الديار الإسبانية مقابل مبلغ 40.000 درهم، وبالفعل جاء المدعى عليه لخطبة المدعية، فسلمته المبلغ المذكور، إلا أنه لم يفي بوعوده، اتجاه خطيبته، فرفعت عليه دعوة قضائية، تطالب فيها باسترجاع المبلغ المذكور، وتحمله المسؤولية اتجاه الطفل الذي نتج عن علاقتهما الجنسية غير الشرعية.
وقد قضت غرفة محكمة الاستئناف، بما يلي: <<حيث وإنه بعد الاطلاع على أمر السيد قاضي التحقيق، وكذا باقي وثائق الملف، وفي نطاق ما نوقش استئنافيا، تبين للغرفة أن القرار المستأنف جاء معللا بما فيه الكفاية ومطابقا للقانون، مما يتعين معه تأييده>> بمعنى أن قرار محكمة الاستئناف، جاء على ضوء أوامر قاضي التحقيق، والذي يعتبر مجرد سلطة اتهام، وليس سلطة حكم، مما يجعل المحكمة ملزمة بالتثبت مما جاء فيه، خصوصا وأن قاضي التحقيق لم يستمع لوالدي الطاعنة.
بحيث جاء في تعليلات أمر قاضي التحقيق ما يلي: <<حيث صرّح المتهم تمهيديا بأنه كان على علاقة غير شرعية مع المدّعية، لمدة 3 سنوات، وأنه طلب منها أن تجهض نفسها، إلا أنها رفضت مما أدى به إلى وعدها بأنه سوف يتحمل كامل مسؤوليته تجاهها واتجاه الجنين نافيا ن يكون تسلم مبلغا لتقهيرها>>.
فجاء تعليل محكمة النقض بأن محاولة الإجهاض تتطلب الشروع في تنفيذ الجنحة، وأن طلب المتهم من المشتكية لا يشكل بداية التنفيذ، ولا يعتبر محاولة. خاصة وأن المشتكية لم تقم لا بالإجهاض ولا بالمحاولة.
وحيث أن واقعة تسليم المشتكية للمتهم مبلغ 40.000 درهم، لم يتم بحضور أي شاهد، وحيث أن العناصر التكوينية للجنحة غير ثابتة، فقضت برفض الطلب، وتأييد الحكم المستأنف، كان هذا منطوق قرار محكمة النقض.
ما يجب الإشارة إليه في هذا المنطوق، هو التكيف القانوني الذي أعطته المحكمة للوقائع المذكورة في الملف، حيث أكد المتهم أنه كان على علاقة مع المدعية لمدة 3 سنوات، وأن الحمل كان منه، وأنه طلب من المدعية إجهاضه، ولم تفعل، فقررت المحكمة عدم متابعته لعدم تحقق الجناية، وعللت ذلك بأن طلب المتهم إجهاض الجنين من المدعية ليس بالمشاركة ولا بالمحاولة.
ولكن الفصل 455 من القانون الجنائي المغربي، يكيف هذا العمل على أنه تحريض على الإجهاض، ولو لم يؤد هذا التحريض إلى نتيجة، ويعاقب القانون على التحريض على الإجهاض بالحبس من شهرين إلى سنتين، وغرامتة من 120 درهم إلى 2000درهم. أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ولكن قرار المحكمة، لم يحكم بأي من العقوبتين، معللا ذلك بعدم قيام المشتكية بالفعل المادي للإجهاض، في حين نجد القانون يعاقب على هذا التحريض، ولو لم يتم الفعل المادي.
الفقرة الثانية: قرار صادر عن محكمة النقض (القرار الثاني):
صدر قرار عن محكمة النقض عدد 74/3، المؤرخ في 10/01/2012، عدد 14340/6/3/2011، إذ بناء على طلب نقض قرار محكمة الاستئناف المرفوع من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور، والرامي لنقض قرار الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف. والذي قضى بتأييد الحكم الابتدائي المستأنف والذي قضى بدوره ببراءة المتهم من جناية هتك عرض (الاغتصاب) قاصرة مع استعمال العنف، وإجهاضها.
وبالتالي تم طلب نقض قرار محكمة الاستئناف، لانعدام تعليله، حيث حكمت المحكمة ببراءة المتهم لمجرد إنكاره، وعلى عدم ثبوت التهمة في حقه، في حين أن الملف يتضمن قرائن وجنح تثبت التهمة في حقه، كما تبينمن وقائع الملف أن المتهم قد أدلى بتصريحات مفادها أنه كان يقوم بأخذ المشتكية إلى أحد المنازل ومجالسته لها دون حضور من أحد.
وأكدت محكمة النقض على أن قرار محكمة الاستئناف ببراءة المتهم، لإنكاره ما يُنسب إليه، وعدم ثبوت عناصر قيام التهم الموجهة له، وعدم اقتناعها بتصريحات الضحية وذلك في إطار سلطتها التقديرية في تقييم الجنح المعروضة عليها تعليل سليم، مما جعلها ترفض الطب المرفوع من طرف الطاعن أعلاه، وتأيد قرار محكمة الاستئناف.
ما يثير الإشكال في هذا القرار هو مدى نسبة حدود السلطة التقديرية للمحكمة في تكييفها للوقائع، فالتعليل الذي عللت به محكمة الاستئناف قرارها، وأيدته محكمة النقض هو عدم اقتناعها بتصريحات الضحية، خصوصا وأن التهم المعروضة في الملف، يمكن إثباتها بأدلة قطعية تقطع الشك باليقين، كإجراء خبرة طبية يتم التأكد بواسطتها من صحة تعرض الضحية للاغتصاب و العنف، ثم تعرضها للإجهاض، عوض الاعتماد على السلطة التقديرية للقضاة، ومدى حصول قناعتهم الشخصية بوجود أدلة وبراهين تؤكد وقوع الجريمة من عدمها.
المطلب الثاني: التعليق على إجتهادات قضائيةسنقسم هذا المطلب ايضا الى فقرتين نعلق داخل كل الفقرة الاولى على اجتهاد صادر عن المحكمة الابتدائية بالرماني ثم الفقرة الثانية لإجتهاد صادر عن محكمة النقض بالرباط.
الفقرة الأولى: اجتهاد صادر عن المحكمة الابتدائية بالرمانيأصدرت المحكمة الابتدائية بالرماني حكما رقم 81/05 صادر بتاريخ 24/10/2005، في الملف الجنحي، منشور بمجلة محكمة العدد 2 صفحة 476 مفاده :
<<إن جنحة الإجهاض تقوم بقيام مكوناتها، ألا وهي وجود الحمل في وضع طبيعي وصحي وانصراف المجهض إلى إيقاف الحمل بتدخل منه، مع تنفي ذلك، وحصوله النتيجة بسقوط الحمل في مداخل تطوره، ولم يثبت أن الضنين عقد اتفاقا مع الضحية للتدخل بوسائله الطبية مع علمه وجود الحمل، لذلك وجب الحكم بالبراءة >>.
الحسن البوعيسي كرونولوجيا الاجتهاد القضائي في المادة الجنائية ، صفحة 185.
يتحدث هذا الحكم في البداية عن العناصر المكونة للفعل المادي لجريمة الإجهاض والتي تشترط لقيامها وجود الحمل فعلا، وأن يكون في حالة صحية وطبيعية، ون يكون الفعل المادي الناجم عن الجاني ينصرف ويهدف إلى وضع حدا لهذا الحمل وإجهاضه أي إسقاطه وإخراجه من الرحم، غير أن المنطوق والحكم الذي أصدره القاضي في النازلة، حكم ببراءة المتهم، مبررا ذلك في انعدام أي اتفاق بينه وبين المرأة الحامل والذي يقضي باستعماله لوسائله الطبية من أجل إجهاض حملها.
لكن ما يثير الإشكال في هذا الحكم، هو أن عملية الإجهاض هي إحدى الجرائم التي تُقترف في السر ودون إعلام الغير بها، وبالتالي كيف يُتصور وجود عقد إتفاق بين الطرفين؟ فالطبيب المختص، ونظرا لتجربته واختصاصه في ميدان الطب بإمكانه سلك شتى الطرق والوسائل من أجل التملص من مسؤوليته، وبالتالي قد يستعصى بل يستحيل التوفر على أدلة رسمية من شبيه العقود والاتفاقات (المبرمة بين المجهضة والطبيب) التي تقضي بعملية الإجهاض.
لذا يبقى السؤال المطروح ما الاساس القانوني الذي اعتمدت عليه المحكمة للحكم ببراءة الجاني؟
الفقرة الثانية: اجتهاد صادر عن محكمة النقض قرار المجلس الأعلى عدد 2233 بتاريخ 8 مارس 1990، بالملف الجنحي 16277/87 منشور صفحة 172. عدد 44 جاء منطوقه على الشكل التالي :
<<إن المحاولة طبقا للفصل 114 من القانون الجنائي لا تتوافر عناصرها إلا عند الشخص المحاول الذي يكون دائما قاتلا أصليا أو أنه هو الذي قام بالفعل المادي للجريمة التي يعتزم تنفيذها أما الذي يبقى بعيدا عن مباشرة الفعل المادي فلا يصح إدانته بالإجهاض أو محاولته.
وإن المشاركة في التحريض على محاولة إجهاض امرأة حامل لنفسها لم يرد في القانون أي نص على معاقبته، وإنه كان من الممكن أن يوصف هذا الفعل بوصف آخر فإن ما أدين به الطاعن لا يستقيم وفصول المتابعة، إذ لا يمكن إدانة شخص واحد بالمحاولة والمشاركة لما بين الجريمتين من تباين.
إدريس بلمحجوب. الاجتهاد القضائي في مجموعة القانون الجنائي. سلسلة قانونية، صفحة 181.
يتحدث القضاء في شخص المجلس الأعلى أو كما يسمى حاليا بمحكمة النقض، في الفقرة الأولى من هذا المنطوق، عن المحاولة في الجريمة ويحيل إلى المادة 114 من القانون الجنائي المغربي، إذ يشترط هذا الفصل قيام المحاولة بقيام عناصرها والتي يكون فيها المحاول فاعلا أصليا، وأنه القائم بالفعل المادي للجريمة، أما الذي يبقى بعيدا عن مباشرة العمل، فتنعدم فيه صفة المحاول، وهذا الكلام يعتبر صحيحا وتزكيه المادة السابقة الذكر.
أما الفقرة الثانية من نفس القرار، فتتحدث عن انعدام نص في القانون يعاقب على المشاركة في التحريض على محاولة الإجهاض، وفي هذا خلاف!
بحيث صحيح أن المواد المنظمة لجريمة الإجهاض في مجموعة القانون الجنائي(من الفصل 449 إلى الفصل 458)، لا تتحدث عن تجريم هذا الفعل.
لكن وبالعودة إلى الجزء الثاني من الكتاب الثاني من القانون الجنائي المغربي وبالضبط من الفصل 128 إلى الفصل 131 نجده يتحدث عن المساهمة والمشاركة في الجريمة. والفصل 455 من القانون الجنائي المغربي يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين وغرامة من 200 إلى 2000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط لكل من حرّض على الإجهاض ولو لم يؤذ هذا التحريض إلى نتيجة ما....>>. إذا فالتحريض جريمة يعاقب عليها القانون.
و بالعودة إلى الفصل 129 من القانون الجنائي المغربي نجده ينص على: <<يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها واتى أحد الأفعال الآتية: ‘’ أمر بارتكاب الفعل أو حرّض على ارتكابه ‘’ ، وبالتالي فالقاعدة التي نخرج بها من هذه المادة أن المشاركة في التحريض، جريمة يعاقب عليها القانون بنفس عقوبة الجريمة نفسها، وهذا ما ينص عليه الفصل 130 من القانون الجنائي المغربي.
وبخصوص آخر ما جاء في هذه الفقرة، فهو صحيح، إذ لا يمكن معاقبة شخص بجريمتي المحاولة والمشاركة في نفس الوقت.