يعيش العالم - اليوم - على إيقاع تداعيات أزمة مالية و إقتصادية حادة. و بحكم الترابط المعقد الـــذي يميز نسق الإقتصاد العالمي المعاصر، فإن هذه الأزمة عمت كل الأوساط و جل البلدان ... إذ لـم تفرّق بين الإقتصاديات المحلية و المعاقل العالمية الكبرى للرأسمالية.
وإذا كان معروفــا أن السيرة الذاتية للرأسمالية أمست مطبـوعة بالأزمـــات الدورية، فإن الأزمة الحالية التـي بدأ يستعر أوارهــا من قلب الولايــات المتحدة الأمريكية، جرّت و مـازالت تجرّ تطورات خطيـرة و انعكاسات بالغة الحدة، خاصة على إقتصاديات الدول النامية.
في هذا المقال، سأحاول أن أقوم بقراءة سريعة في المحددات العـامة لهذه الأزمة و انعكاساتهـا السلبية، على أن أتطرق، في البداية، إلـــى مدخلات (Inputs) و مخرجات ((Outputs النظـــام الإقتصادي العالمي القائم، الذي أفرزت تفاعلات صلبه هذه الأزمة العالمية.
I - مدخلات(Inputs) النظام الإقتصادي العالمي
ثمة العديـــد من الملامح و الخصـــائص المميزة للإقتصــاد العــالمي المعاصر، و لعل أهمها يكمن فـي
تعـــــاظم دور الشركات متعددة الجنسية، تزايد التكتلات الإقتصــادية العالمية، التدويـــل المتزايد للعلاقـات
الإقتصـادية الدولية، ثورة المعلومات و تكنولوجيا الإتصالات، تنامــي دور المؤسسات فـــي إدارة الشؤون
النقدية و المالية و التجارية للإقتصاد العالمي...كل هذه المميزات و الخصـائص تدخل فـي إطار عام شامل
هو إطـار العولمة (1).
و إذا كــان صندوق النقد الدولــي قد عرّف العولمة باعتبارهــا " التعـاون الإقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم، و الــذي يحتمه إزدياد حجم التعامل بالسلع و الخدمات و تنوعها عبر الحدود، إضافة لتدفق رؤوس الأموال الدولية و الإنتشار المتسارع للتكنولوجيا في أرجاء كل العـالم" (2)، فإننا نرى أن هذا التعريف يبقى متهما في أصله ما دام أنه جاء على لسان إحدى أهم أدوات و آليات هيمنة الدول الرأسمالية الكبرى. إذ حسب بعض الدارسين(3) للإقتصــاد العالمي، فالعولمة ما هي إلا مرحلة ثالثة في تاريخ الإمبريالية (4).
فهـي و ليدة تضـافر عدة عناصر، و هذه العناصر تتجلى فــي إنهيار النموذج المجتمعـــي للبلدان الإشتراكية، و نجاح دول "المركز" فـــي إفشال الخطة التنموية الطموحة للأنظمة الراديكالية فـــي الدول النـامية، و إستنفاذ السياسة الفوردية-الكينزية فــي البلدان الصناعية لطاقتهــا القصوى فــي القرن العشرين، و تحكم الشركات متعددة الجنسيات في غالبية النشاط الإقتصادي سبعينات العالمي، و تثبيت قوة العمل على تخوم النظـام الرأسمالي العالمي، بالإضافة إلـى تحول الهيمنة الأمريكية على العالم إلى هيمنة ساحقة (5).
و إذا كــانت العولمة الإقتصادية هــي خاصية واحدة من خصـائص ومظـــاهرالإقتصـاد العالمي المعاصر، فإنه ثمة معالم أخرى مميزة لهذا الأخير، نذكر منها ׃
● تزايد التكتلات الإقتصـادية العالمية الكبرى، حيث تبقـــى المقومـات الأساسية للتكتل أو الإندماج متجلية فــــي عــوامل ذات طبيعة جغرافية و ديموغرافية و سياسية و اقتصادية. كمــا أن الأسبــاب الرئيسة للتكتل تقـوم علــــى أساس توسيـــع الســوق و زيــادة فرص التنسيــق بين الدول الأطراف بالإضافة إلى تعبئة الموارد الإقتصادية.
● ثورة المعلومات و تكنولوجيا الإتصالات إن على مستوى الإنتاج و أيضا على مستوى التسويق.
● التدويــــل المتزايد في العلاقـات الدولية، حيث يتمثل هذا التدويل فـي نموالتجارة الدولية بمعدلات تفوق بكثير معدلات نمو الناتج المحلي على مستوى العالم، و أيضا التوسع الهائل في أسواق المال العالمية (6).
و إذا كـانت الدولة الوطنية فــــي العالم المعاصر قد عرفت تراجعا ملحوظا على مستوى أدوارها ووظائفها في الحياة الإقتصادية الدولية، فإن ذلك يعزى أساسا إلى بروز ساطع لفاعلين دوليين جدد، خـــاصة المؤسسـات البنكية الدولية و الشركات متعددة الجنسيات (7) التـــي تشكل أهم القوى الفــاعلة و المحركة للعولمة الإقتصادية.
II – مخرجات((Outputs النظام الإقتصادي العالمي
1- مخرجاته على مستوى المفاهيم ׃
من أجل تدعيم النموذج الإقتصــادي للرأسمالية العالمية (Internationalisé) أوالرأسمـــالية
المعولمة (Mondialisé)، تبتكـر المؤسسات المـالية و الإقتصــــادية ترســـانة ضخمة مـن المفـاهيـم
و البراديغمات الجديدة، بهدف تسويغ العلاقــــات الإقتصـادية السائدة، وطنيا و دوليا، والقائمة علــــى
التفاوت و اللاتكافئ الذي تعود انعكاساته سلبا على الإقتصاديات النامية.
أ. الإقتصاد العالمي و أطروحة الحكامة׃ لقد فرضت عولمة النظـــام النقدي و التجــــاري والمالي، مرورا بما هو ثقافي وسياسي، نهج حكامة جيدة بهدف التأثير المباشر فــي التوجيهات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية للدول و خاصة المتخلفة منها (
.
و إذا كــان البنك الدولي يعرّف هذه الأخيرة بأنها التقاليد و المؤسسات التـــي من خلالهـــا تتم ممارسة السلطة في الدول من أجل الصـــالح العام، فإن مرماها الخفي لا يصب، فــــي آخر مطاف، إلا فـي خدمة الرأسمال العالمـي و الأهـداف الإستراتيجية للشركات متعددة الجنسية. و بلغة أخرى، فـإن الحكامة تبقى مجرد صنيعة نيوليبرالية خالصة صممت شكلها و مضمونهــا مؤسسات بروتن وودز لغايـات تحجيـم دور الدولة- بل و ضرب سيادتهـا- لحساب جهـات أخرى(9)، تشمل، علاوة على هيئات المجتمع المدني و الوحدات المحلية، مؤسسات القطاع الخاص و المنظمات الإقتصادية الدولية. و هذا مـا يتبدى مثلا من خلال المبادئ المؤسسة لمفهوم الحكامة، خاصة مبدأ التشاركية الـــــذي يرمي إلــــى خلق إجماع "عالمي" حول التوجهات الكبرى التـــي تصوغها سياسات هذه المؤسسات الدولية.
ب. التضامن الدولي و أكذوبة التنمية ׃ سعيـــا لتعميـــق التبعية البنيوية و رهن اقتصاديــات الدول
النامية بسياسات الدوائر العالمية، يتم دائمـا رفع شعار "التعاون الدولي" شمال-جنوب من أجل بلـــوغ هدف مزعوم إسمه"التنمية المشتركة". بيد أن آلية "التعــــاون" هذه لا تروم، فـــي جوهرها، إلا تعبيد الطريـــق للبحث عن المواد الأولية من جهة، و توسيــــع أسـواق استهـــلاك بضائعها من جهة أخرى.
و تندرج الإعانات المالية و القروض الدولية التي "تستفيد" منها اقتصاديات العالم الثالث فـي صميــم هذه السياسة النقدية العالمية. و فـــــي هذا الإطار ذاته، تصب التوصيات الأخيــــرة للجنة الدولية للشؤون المالية- التابعة لFMI - و كذلك البيان الختامي لخطة عمل سيول التي أصدرتها قادة مجموعة العشرين فـــي الآونة الأخيرة (10).
ج. حتمية العولمة أو نهاية التاريخ ׃ بعد أفـول القطب الإشتراكــــي، سيتم اكتســـاح النظام الرأسمالي لكل الأسواق و المجالات الإقتصادية، بما فيها المعاقل الإشتراكية التي كانت إلــى عهد قريب محصنة من قبل الأنظمة السياسية القائمة بالكتلة الشرقية. و في غمرة هذا الإكتساح، سيتم الإعلان، في الأوساط الغربية، عن نهاية التاريخ الـذي يزعم أنه نجم عن ذلك الإنتصارالكاسح وغير المسبوق للمنظومة الرأسمالية.. و فـــــي هذا السياق بالذات، سيسـود الإعتقاد بأن العولمة تشكل مسـارا زاحفا غير قــابل للإرتكاس(Irréversible)(11)، أو بتعبيــر آخر، هـــي الأفق الأقصـى و الأسمى في تطور تاريخ البشرية...و بالتالي فما على العالم الثالث إلا أن يتكيف مع هذه الحتمية التاريخية- فـي صيغتها الأمريكية- وعلى كل مستوياتها الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية.
لكن فـي نظر الكثير من المهتمين، فإن هذا الإعتقاد أو "وهم الخلود" هذا، يجانب الصواب فـي الكثير من الأصعدة. ذلك لأن العالم، اليوم، يسير فــــي إتجاه تكريس عولمة بديـــلة ما فتئت تتشكل معالمها،خـاصة إذا استحضرنا تصلب عـود الجبهات المناهضة للعولمة هنا و هناك من جهة، و من جهة أخرى بروز متنامي لأقطاب اقتصادية معاكسة للنزعة الهيمنية التي تتأسس عليها ديكتاتورية الواحدية القطبية. بل و الأكثر من ذلك، فإن النظام الرأسمالــي فــي حد ذاته، يعاني من أزمة ذاتية مزمنة(12)، أزمة ما انفكت تطمئن شعـــوب العــالم بأن التاريخ لم ينته بعد - كما تتوهم ذلك- عقيدة اللبيرالية الجديدة.
2- مخرجاته على مستوى الإستراتيجيات ׃
أ- الإمبريالية الإقتصادية ׃
صدق فلاديمير لينين حينما كتب أن الإمبريالية هـــي أعلى مراحل الرأسمالية(13). فهــي بالفعل كذلك لأن جوهر الرأسمـــالية يقــــوم أساســــا علـــى غزو الأسواق و التنافس المحتدم حول المواد الأولية.. و في هذا الإطار، توظف الإمبريالية إستراتيجيات متعددة أبرزها الحروب الإقتصادية التـــي تقــودهـا أقطـاب المال و الأعمال و أرباب الشركات العملاقة بهدف تحقيق "الربح الأقصى" و بسط الهيمنة الاقتصادية و بالتالي تعميق التبعية السياسية. و هــذا هـــــو عين ما حدث و يحدث فــــي كل حالة من حالات التدخل العسكري الذي تقوده الإمبرياليتين الأمريكية حاليا و الأوروبية فــــــي بدايات الألفية الثانية؛ حيث أن رهان السيطرة على الموارد الإقتصادية و هاجس الإستحواذ علــــــى مصادر الطاقة هما هما المتحكمان في شن الحروب الإستعمارية.
و هذا يدل أساسا علــــى أولوية العوامل الجيو-اقتصادية علــى العوامل الجيو-سياسية فــي فهم الميكانيزمات المؤثرة في دينامية العلاقات الدولية المعاصرة (14).
ب- برامج التعاون و الشراكة الإستراتيجية ׃
في إطار الحرص على إيجاد منافذ لتصريف الخدمات و السلع المنتجة من قبل الدول الرأسمالية، تسعى هذه الأخيرة إلى إبرام صفقــات تجـــارية مختلفة و عقد إتفاقيات إقتصادية متعددة مــع الدول النــامية..و في هذا المضمــــار تأتــي الشراكة الأورومغربية و إتفــاقية التبــادل الحر المبرمة مع الولايـــات المتحدة الأمريكية و غيرها...لكن مــا يجدر التذكير به هنا هــو أن هذه الإتفاقيــات و تلك البرامج لا تأتي حبا في سواد عيون الشعوب المستضعفة لدول الجنوب، بقدر ما تخدم عموما المصلحة الأنانية للشركات العملاقة عبر الوطنية (..).
مع ذلك- و حتى لا نقع فــي شرك العدمية- ، فلابد أن نسجل بعض النتائج المثمـرة نسبيا لمثل هذه البرامج، خاصة فيما يتعلق بإنعاش الإقتصاد و توفير فرص الشغل و تحريك عجلة الحركة التجارية، وغير ذلك مما تقدمه من خدمات في مختلف المجالات و الميادين التي تقصّر بشأنها سياسات الحكومات المحلية.
III- الأزمة المالية العالمية و الإقتصاد المغربي
نقصد بالأزمات المالية حـالة إضطراب/توتر مالي يفضي إلــــى تعرض المتعاملين فـــي الأسواقالمـــالية لمشكلات سيــولة و إعسار، ممـــا يستدعي تدخل السلطات القائمة لإحتواء الأوضاع. وقد تأخذ الأزمة المالية شكل أزمة مديونية أو أزمة عملات أو أزمة مصرفية (15).
و الأزمـــات المالية أصبحت تحدث بصورة متكررة و بوتيرة متسارعة، بحيث إن الفاصـل بين كل أزمة و سابقتها يضيق بإستمرار علـــى الشكل التالــي ׃ انهيار نظـــام بروتن وودز(1973-1974)، أزمة المديونية (1982)، انهيـــار بورصة نيـويــورك(1987)، أزمة نظــــام النقد الدولــــي(1992)، أزمة الميكسيك(1994-1995)، الأزمة الأسيوية(1997)، أزمة روسيـا و البرازيل (1998-1999)، أزمة الأرجنتين(2001) ثم أزمة الرهن العقاري(2006-2008)...و تعزو بعض الإجتهادات أسبــــاب انفجار الأزمات المالية إلــــى أخطاء السياسات الإقتصادية و أيضا إلــــى نشاط المضاربين الكبار في الأسواق المالية، بل و ثمة من يرجعها إلى وجود مؤامرة من جانب الدول المتقدمة تستهدف تركيـــع الدول حديثة التصنيـــــع للتخلص من منافستهــا الشرسة( الأزمة الآسيوية)، أو سلب الدول النفطية الثروات التـــي تراكمت لديها، و الموظفة أساسا فــي المراكز المالية في أوروبا و الولايـات المتحدة الأمريكية(الأزمة الحالية) (16).
فــــي هذا الفرع، سأكتفي بإلقاء لمحة عامة مختصرة حول الأزمة المالية و الإقتصادية الحـــالية معرّجــــا علــى الأخطـــار و الإنعكاسات السلبية المحدقة بالإقتصاديات النامية، و بالخصوص علـى الإقتصاد الوطني المغربي.
أ- الأزمة العالمية/ الإطار العام
تعود جذور الأزمة الحالية في القطاع المالي العالمي إلـــى ما قبل نحو ثلاثة عقود، مع تطور قطاع الخدمات علــــى حساب قطاعات الإقتصاد التقليدية من تجارة و صناعة و زراعة(17). و تأتــي هذه الأزمة كثانـــي كبريات أزمات الرأسمالية و أولــــى أزمـــات العولمة(18). و لقد تعددت مؤشــرات الأزمة مع نهاية العقد الأول من الألفية الجارية، حيث سجل ما يلي ׃
● انخفاض سعر النفط في دجنبر 2008 إلــــى أقل من 40دولار للبرميل بعد أن وصل فــــي منتصف نقس السنة إلــــى أكثر من 147 دولارا .. ممـــــا يدل علــــى تقلص واضح للطلب، ليس فـــي البلدان المتقدمة فقط، بل كذلك فـــــي البلدان المنبثقة كالصين و هــــي البلدان التــي لعب طلبها دور القاطرة سـواء بالنسبة للنفط أو بالنسبة للمـواد الأولية المستعملة فــــي الصنـــاعة أو بالنسبة للمنتوجــــات الفلاحية الأساسية.
● تدهور أوضاع العديد من المقاولات العاملة فـــي قطاعات الصلب و السكن و الحديد و صنـــاعات السيارات و ما يحيط بها من فروع، إضافة إلى البنوك..مما ساهم في تسريع مسلسل تسريح العمال.
● إعـلان صندوق النقد الدولـــي و بعده العديد من الحكومات أن اقتصاديات البلـدان المتقدمة ستنتقل من مرحلة النمو البطئ إلـى مرحلة الجمود فالإنحسار ثم الإنكماش و ربمــا الإنهيار(stagnation, récession,dépression) أي أن وتيرة نموها ستكون منذ سنة 2009 سالبة.
● إعلان المكتب الدولي للشغل في نهاية يناير 2009 عن ارتفاع عدد العاطلين عن العمل خلال هذه السنة بأكثر من خمسين مليونا، ليصل عدد العاطلين إلــى 240 مليونا، و يهم تفـــاقم البطــالة فـــي البلدان المتطورة كما أكدت ذلك منظمة التعاون و التنمية الإقتصادية (19).
و دون الدخول فـــي التفاصيل الدقيقة، فإن الأزمة التــي اندلعت فـــي قلب الإقتصاد العالمي الـذي هو الولايات المتحدة الأمريكية، ستعرف ثلاث مراحل حسب مؤلف كتابه "نحن و الأزمة الإقتصادية العالمية" ׃
المرحلة الأولى ׃ تميزت بتراكم مسببات و عوامل الأزمة فــي الولايات المتحدة، حيث يقسمهـــا ولعلو إلى عوامل إقتصادية داخلية و أخرى خارجية بالإضافة إلى عوامل جيوسياسية.
فبالنسبة للعوامل الأولى تمثلت فـــي جمود الأجور الذي تسبب فـــي انكماش نسبي للحياة الإقتصادية، الشئ الذي أدى، فـي آخر مطاف، إلـــــى الإستدانة المفرطة للعائلات و بالتالي ارتفاع العقار من جهة، و تسنيد الديون في الولايات المتحدة و بالتالي تراكم القروض عالية المخاطر من جهة أخرى.
بينما العوامل الإقتصادية الخارجية، فتجلت فــــي بداية ارتفاع الطلب علـــى منتوجات الطاقة و المواد الأولية فـــي البلدان المنبثقة، فـــــي حين كان عجز الميزان التجاري و عجز الموازنة المالية الناتجين عن أحداث 11 سبتمبر و الحروب التــــي قادتها الولايات المتحدة من بين أهم العوامل الجيو-سيــاسية التي ساهمت في تفجير الأزمة في هذه الأخيرة.
المرحلة الثانية ׃ الأزمة المالية 2007- 2008 ׃ لقد تميزت هذه الأخيـــرة بارتفاع أسعــار الطاقة و المواد الأولية الذي أدى إلـــــى ظهور مؤشــرات التضخم و عجز عن تسديد الديون من قبل العائلات الفقيرة و المتوسطة.
المرحلة الثالثة ׃ من الأزمة المالية إلى الأزمة الإقتصادية 2008- 2009׃ و كـانت لهذه المرحلة ثلاثة عناوين ر ئيسة׃ تراكم خسائر البنوك و انحدار القيم في البورصات و الكساد العقاري..التـــي أدت فـــــي تظافرها إلــــى قيـــام عدة إفلاسات علـــــى مستوى المؤسسات المالية و المصرفية، بل و حتى الإقتصادية/العينية (20).
و سعيا منهـــا لإنقاذ الموقف، قـــامت السلطات العمومية في جل الدول التــــي مستها الأزمة بإقرارعدة مشاريـــع إنقاذية لتوقيف المســــار الإنهياري للمنظــومة البنكية من جهة، و برامج أخـــرى تهم إنعاش مكونات الإقتصاد الحقيقي من جهة ثانية (...).
ب- الأزمة العالمية و انعكاساتها على الإقتصاد المغربي
حسب دراسة ذ.ولعلو ، يمكن أن نتناول انعكاسات الأزمة على المغرب من خلال ثلاثة مستويات ׃
- علـــى المدى القريب الـــذي يهمّ بالأسـاس القطــاع المالي׃ يبقـــى من الواضـــح بهذا الصدد أن الأزمة المــالية التـــي عرفتها البلدان المتطورة لم يكن لهــا انعكاس مبــــاشر علــى المغرب و علــى قطـــاعه المالي و البنكـــي، لسبب بسيط يرجع إلـــى عدم ارتبـــاط هذا القطــاع بالمنظــــومة المـالية العالمية. فالبنوك المغربية لا تمسك سندات أمريكية كما هو الحال بالنسبة لبعض البنوك الأوروبية.
كما أن النظام البنكي المغربي قد خضع في السنوات الأخيرة لعملية تنقية و تصحيـــح بفضل البرامج التي استهدفت تحسين أداء المؤسسات المالية العمومية، مما أدى إلــــى تقليص جلي لحجم القروض السيئة و دعم القاعدة المالية لهذه المؤسسات و بصفة عامة لمجموع القطاع البنكي.
- على المدى المتوسط ׃ لقد أدى استقرار الكساد خلال سنة 2009 إلى تقلص في السوق الأوروبية لبعض المنتوجات المصدرة تقليديا لهذا الأخير..و سيكون قطاع النسيج و قطـــاع مكونات صناعـــات السيارات بالطبع علــــى رأس القطاعات التصديرية التــي ستتأثر بانخفاض الطلب الأوروبــــي بسبب عــامل الأزمة. كمــــا أن انحدار قيمة الروبل الروســـي بسبب الهشاشة البنيوية للإقتصـــاد الروســـي ستخلق متـاعب لصادرات المغرب من الحوامض التي يوجه قسط وافر منها إلى هذه السوق، و سيزيد من القدرة التنافسية للصادرات الروسية من الفوسفاط. كما أن انخفاض قيمة الجنيه الأسترليني خلقت متاعب لمبيعات النسيج إلى إنجلترا. و أخيرا ستتأثر مبيعات الفوسفاط و مشتقاته التي تتوجه بالأساس إلى الهند و البرازيل و بعض البلدان الآسيوية بالمد الإنحداري الذي مسّ كل المواد الأولية.
- على المدى البعيد ׃ و هنا ينصح ولعلو المغرب بالحضور النوعي في كل النقاشات التي تهمّ الإقتصاد العالمي و الإنخراط الجدي في الإصلاحات التي تهم الأنظمة الأساسية للمؤسسات الإقتصادية الدولية..
مـع الحرص علـــى جعـل قضايــا التنمية و محاربة الفقـــر حــاضـرة بقــوة فــــي أجندة الإصلاحـات المستقبلية(21 ).
هذا، علاوة على الإنعكاسات السلبية التي خلفها تراجع عائدات المهاجريـن المغاربة نظرا للتسريحات الواسعة التــي مسّت صفوف اليد العاملة فــي العديد من الشركات والوحدات الإنتاجية بالدول الأورربية. كمـــا يجب أن نضيف أيضا تراجع قطاع السياحة الذي لم يسلم بدوره من التبعات السلبية للأزمة القائمة.
و في الأخير، أعود لأؤكد على أن المغرب، شأنه شأن باقي الدول النامية، يبقى فــــي حاجة ماسة إلى بناء سياسة إقتصادية قوية، منفتحة على الإقتصاديات الإقليمية والدولية، لكن مع الحرص على عدم التفريــط فـي حقهـا السيادي المتعلق طبعا بتقريـر مصائرهـا واختياراتهـا الإقتصادية، السياسية و الإجتماعية.
و لأنّ العـالم اليوم يشهد بروز أقطـاب و تكتلات إقتصادية كبرى، فإن المغرب و جيرانه مطـالبين، أكثر من أي وقت مضى، بتجاوز كل العراقيل و الخلافات القطرية بينهم، و العمل الجدي من أجل إعادة بنـــــاء الإتحاد المغاربي -إقتصاديا على الأقل- حتى يتسنى لأقطاره الحصول على موطئ قدم ما فـــــي ساحة تسودهـــا داروينية إقتصـادية شرسة لا تعرف معنـى للرحمة إزاء الضعفــاء ... و إلاّ، فإن التاريـــخ سيعاقب كل من تخلّف عن الركب كمـا قال ذات مرة ميخائيـــل غورباتشوف أثنــــاء إطــلاقه لمسلسل الإصلاحات ببلاده فــي ثمانينات الألفية الثانية ..