ربيع الشعوب وخريف الدكتاتوريات
النظام الذي بناه العقيد القذافي في 42 سنة انهار في تسعة أشهر، ومع انهياره فقد الدكتاتور حياته وحياة جزء من عائلته وقبيلته وأتباعه. السلطة لا تعيش فقط بالسلاح والمال والمخابرات وأبواق الدعاية، والحكم لا يستمر فقط بترهيب الناس ورشوة النخب والتحالف مع الغرب.. الحكم الذي يدوم هو الذي يتأسس فوق الشرعية القانونية والمشروعية السياسية. الشرعية القانونية هي دولة الحق والقانون التي تمشي فوق سكة الدستور وتستند إلى أعمدة المؤسسات، حقيقية أو شكلية. أما المشروعية السياسية فهي قناعة الناس بأن من يحكمهم يقودهم نحو بر النجاة، ويصرف السلطة والمال في أوجه الخير وبما يعود على الجماعة بالرفاهة والتقدم والاستقرار... بلا شرعية قانونية ولا مشروعية سياسية يتحول الحكام إلى رؤساء عصابات، والدول إلى كيانات فوق رمال متحركة.. بلا استقرار ولا ازدهار ولا ثقة في المستقبل...
دكتاتور ليبيا بدأ حكمه برصيد كبير من المشروعية الثورية، وخزان هائل من العواطف القومية، فراح يبددهما على أحلامه وأوهامه حتى ابتلعته شهوة السلطة، ففقد المشروعية ولم يكتسب الشرعية، لأنه جاء على ظهر انقلاب، ولم يخرج من بطن صندوق انتخاب. وهذه أحوال جل الأنظمة العربية التي مازالت تحكم في زمن الربيع العربي... ولهذا تراها جميعها خائفة من رياح الثورة.. مرعوبة من أن تتدحرج كرة الثلج، التي قضت على بنعلي ومبارك والقذافي، وتعبر الحدود إلى بلدانها...
الغرب يتفرج على هذه اللعبة، في البدء كان قلقا ومأخوذا بسرعة ما جرى في تونس، ومع المدة استطاع أن يضبط «ميكانيزمات» سياساته على الوضع الجديد. ركب فوق الموجة، وأعلن أنه حليف يعول عليه إلى جانب الثوار الذين يريدون هدم عروش الأنظمة العربية المستبدة. في تونس، دفعت أمريكا الجيش للانحياز إلى الشارع الغاضب من فساد عائلة بنعلي. في مصر، شجعوا الجيش على التزام الحياد في صراع مبارك مع ثوار ميدان التحرير. في ليبيا، وضعوا أسطولا جويا كاملا في خدمة الثوار ولحماية المدنيين، ثم للقضاء على نظام مجنون باب العزيزية.
الغرب فهم الدرس بسرعة، ووضع مصالحه فوق أي اعتبار، وتحرك مع الموجة للدفاع عن تلك المصالح. أما الحكام العرب فلم يفهموا شيئا من هذا «الحراك» الذي لن يتوقف حتى يغير معالم الخرائط القديمة ويضع أسس خرائط جديدة، تماما كما فعلت الموجة الثالثة من الديمقراطية في أوربا الشرقية عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. ماذا بقي اليوم من الكتلة الشرقية وحلف وارسو وأنظمة القمع الحمراء التي كانت تحكم الجزء الشرقي من أوربا؟
هل هناك أصداء لما وقع في ليبيا هنا في المغرب؟ نعم الأصداء واصلة بفعل وصول رياح التغيير إلى كل مكان، وشمال إفريقيا، الذي ننتمي إليه جغرافيا على الأقل، سقط فيه ثلاثة رؤساء.. ولهذا لا يجب على أحد هنا أن يدفن رأسه في الرمال... الأحداث الجارية تهز الجبال فكيف بالبشر، والإعلام الحديث جعل الثورة وثقافتها ورموزها وإيحاءاتها تدخل إلى كل البيوت، ولهذا فإن مشاريع مخططات ما بعد انتخابات 25 نونبر القادم يجب أن تأخذ كل ما يجري بعين حساباتها، فالخطأ في الحساب في هذه الظروف غير مسموح به على الإطلاق، فالحراك العربي ليس قوسا فتح وأغلق.. إنه حساب جار وسيولته غير معروفة على وجه الدقة، لأن آمال المغاربة في الإصلاح آمال عريضة وصبرهم قليل...
توفيق بوعشرين