"رجال أمن" يعانون من الإهمال وضعف التأطير والهزالة في الأجوردفعت الحوادث الإرهابية المؤسفة التي شهدتها المملكة في السنوات الأخيرة، وكذا السرقات التي طالت عددا من المؤسسات البنكية، إلى ظهور شركات أمنية خاصة جديدة للاستعانة بخدماتها لتحصين الكثير من المؤسسات سواء العمومية أو الخاصة. إلا أن هذا الشركات الأمنية تعاني من مشاكل كثيرة، سواء من جهة ضعف التأطير والتكوين للعنصر البشري العامل بها، أو من حيث غياب الإمكانيات المادية واللوجستيكية اللازمة لإنجاح مهام هذه الأجهزة. جريدة "العدالة والتنمية" حاولت أن ترصد لقرائها الكرام الوضعية الحقيقية لهذه الفئة من "رجال الأمن"، واستقرت العديد من الآراء التي تصب في اتجاه واحد في ظل غياب الأمن الوظيفي الذي يضمن لهم أبسط حقوقهم المهنية، فكان الروبورطاج التالي:
قطاعات متعددة تستنجد بالأمن الخاص"السكيورتي" هو الاسم الشائع الذي يطلقه عموم المغاربة على العاملين في هذه الشركات الأمنية الخاصة، ويمكن القول بأن هذا المفهوم يعد مفهوما حديثا نسبيا. والملاحظ أن الطلب على هذه الشركات في تزايد مستمر، مما يجعلها تتكاثر وتتناسل بشكل كبير في العديد من المدن المغربية، وأغلب الإدارات المركزية لها متمركزة بمدينتي الرباط والبيضاء، ومن هذه الشركات من لها فروعا خارج المغرب، بتونس والكوديفوار وغيرها من الدول.
والملاحظ في السنين الأخيرة إقبال الكثير من المؤسسات والشركات والمجمعات السكنية والمحلات التجارية الكبيرة، وحتى بعض المؤسسات الأجنبية من مراكز وسفارات وقنصليات، إقبالهم على شركات الأمن الخاص بهدف طلب تأمين مواقعها وحراستها، مما أتاح مجالاً وفرص عمل جديدة للعديد من الشباب المغاربة، لكنها تبقى غير مقنعة بالنسبة لكثير منهم، "حنا هنايا غير كنعاديو حتى إحن الله علينا، لا خلاص مزيان ولا أوراق ولا راحة" بهذه العبارة لخص لنا أحدهم معاناته مع هذه الوظيفة، إذ يبلغ عدد الشباب العاملين في الحراسات الأمنية بشركة (R.M.O) لوحدها، والتي يتواجد مقرها المركزي بمدينة البيضاء، أكثر من 12000 فردا، منهم الذكور والإناث، حسب ما أفاد به مسؤول بالشركة بفرع مدينة الرباط، رفض الكشف عن اسمه.
فما أن تدخل إلى "أسواق السلام" أو "مرجان" إلا وترى العديد من الشباب موزعين بالقرب من محطات الأداء ببدل موحدة، تحمل شارات الشركة التي تديرهم، وغالبا ما يتم اختيار شباب ذوي لياقة بدنية مهمة، وإن كان هذا الشرط غير ملتزما به في كل الشركات، يقول "محمد" شاب يبلغ من العمر ثلاثين سنة، حاصل على الإجازة في الحقوق، "نحن درسنا شعبة الحقوق، وحقوقنا في هذه الشركة مهضومة، وحصولي على الحزام الأسود في "الكراطي" هو الذي خول لي العمل هنا، ونحن كمجموعة هنا من أجل حفظ الأمن، والتصدي إلى كل من حاول الخروج بالسلع، أو التسلل بها من غير أداء ثمنها". ويضيف المتحدث بأنه يعمل بالمثل المغربي الذي يقول، "عدي بالنعالة حتى إيجيب الله الصباط".
وعملت وزارة التربية الوطنية خلال هذا الموسم بالتعاقد مع الشركات الأمنية الخاصة، على نشر مجموعة من حراس الأمن الخاص بالعديد من المؤسسات التعليمية بالدار البيضاء، وأضحت كل مؤسسة تتوفر على عنصرين إلى أربعة عناصر مكلفة بالحراسة ليل نهار.
وحسب ما أفاد به أحد هؤلاء الحراس أن من المهام الموكولة إليهم حماية التلاميذ من العنف والشجار المتبادل بينهم، والذي يصل في بعض الحالات إلى استعمال السلاح الأبيض، وكذا منع الغرباء من الدخول إلى المؤسسات التعليمية، إضافة إلى حماية ممتلكاتها من السرقة وغيرها.
فموظفو هذه الشركات الأمنية الخاصة يقومون بعدة وظائف تختلف حسب اختلاف المواقع التي يعملون على حراستها، فمنهم من تقتصر وظيفته على منع السيارات من الوقوف على مقربة من مقارات مثل المصارف البنكية والمحلات التجارية وحتى المؤسسات العمومية، ومنهم من يكون مزودا بأجهزة خاصة لكشف المتفجرات يؤمنون بواسطتها حراسة عدد من الفنادق الكبيرة والسفارات الأجنبية وشركات النقل الجوي وغيرها. وظيفة واحدة ومعاناة متعددة
يعيش العاملون في أغلب الشركات الأمنية تحت ظروف مزرية لا يحسدون عليها، ولا ترقى إلى المستوى المطلوب، ولا تحترم فيها حتى القوانين المنظمة لهذه الشركات، لا من حيث ساعات العمل، ولا من حيث المستحقات الشهرية، ولا أيضا من حيث طبيعة العمل الذي يخرج في الكثير من المؤسسات عن المهمة الأساسية الموكولة لهؤلاء.
"علي" 35 سنة، متزوج وأب لطفلين، حارس أمن بإحدى الفنادق الكبيرة المطلة على واد أبي رقراق، ما إن بادرنا "علي" بالكلام حتى استرسل بالحديث عن المشاكل التي يعاني منها رفقة زملائه في المهمة، "كيخلصونا بـ 28 ألف ريال، الله تكفيني في الكرا بسلا ولخلاص ديال الماء والضوء، أو باش نعيش إجيبوا الله"، ويضيف بأن الشركة التي يعمل فيها "VIP"، "تحصل من إدارة الفندق عن كل فرد منهم، وعددهم 8 أفراد، 4 آلاف درهم… والأكثر من هذا أن الشركة لم تلتزم بما هو جاري به العمل في إطار قانون الشغل، فنحن غير مسجلين في الضمان الاجتماعي، وساعات العمل تتجاور العدد القانوني بأربع ساعات في كل يوم، وحتى إن كنت مريضا، أو تغيبت لمدة يومين، يكون مصيرك الطرد"، وعن طبيعة العمل يقول المتحدث بأنه لا يقتصر على مراقبة الفندق من الناحية الأمنية فقط، بتسجيل أرقام لوائح السيارات عند الخروج، وكشف الزوار وحقائبهم بالآلة الخاصة لذلك عند بوابة الفندق، بل يتعدى الأمر ذلك إلى العمل وسط الفندق بتسلم مفاتيح "بيت الخزين" وتسجيل كل ما يتسلمه الطباخين من مواد وغيرها، وكذا تسجيل حضور العاملين بالفندق عند ساعات الدخول والخروج.
ومن خلال حديثنا مع العدد من الشباب أمثال "علي" و"محمد" خلصنا إلى أن اغلبهم يعمل في هذه الشركات تحت ضغوطات وإكراهات مادية صرفة، في انتظار إيجاد عمل مناسب براتب شهري محترم يتماشى مع الظروف الاقتصادية التي يعرفها المجتمع المغربي، فمعدل الرواتب للعاملين في الحراسات يتباين من شركة إلى أخرى، في كثير من الحالات لا يتجاوز 1500 درهم، وهو بلا شك أقل من الحد الأدني المقرر في الأجور بالمغرب.
وبشارع محمد الخامس، وأمام القبة التشريعية، يجتمع المئات من المعطلين حاملي الشهادات العليا، "سعيد" واحد من هؤلاء الأطر المعطلة، حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في اللغة العربية، يقول "أعمل حارس أمن خاص ليلا بإحدى المعاهد العليا بالرباط، وبالنهار أنظم مع أخواني المعطلين للاحتجاج حتى توظيفنا بالمؤسسات العمومية التي تعرف خصاصا كبيرا في الموارد البشرية"، سعيد أكد لنا أن حراس الأمن الخاص لا يتمتعون بحقوق كثيرة أقرها نظام العمل، فلا يحصلون على إجازات سنوية كافية، وبعضهم لا يتمتع ولو بيوم راحة في الأسبوع، ولا يتمتعون بإجازات الأعياد أو حتى التعويض عنها، ولا يخضع الكثير منهم لنظام التأمينات الاجتماعية، ولا يحصلون على آليات مواجهة خطر عند مواجهة لصوص أو مجرمين وهي متوقعة تبعاً لطبيعة عملهم. كما لا يتوفرون على تغطية صحية ولا على تأمين من المخاطر ولا حماية، في الوقت الذي يقومون فيه بحماية الآخرين وممتلكاتهم، إضافة إلى أنهم لا يتلقون في كثير من الحالات أي تدريب أو تأطير يذكر قبل مباشرتهم لأعمالهم، وقد يكون السبب رغبة أرباب بعض الشركات توفير التكاليف.
ويضيف "سعيد" بامتعاض كبير، ويتنفس صعداء "الله إفرج علينا، ويسهل علينا من هاد الخدمة"، بأن هذه الشركات الأمنية الخاصة "شركات غايتها الأساسية تحقيق الغناء الفاحش والربح المتوحش والمتغطرس على حساب شباب لم يجد أمامه أي بديل".
والكثير من هؤلاء من يظن أنه يعمل في إطار عقود مع شركاتهم، وهذا ما يؤكده أحد العاملين بشركة "TRIADE"، ويضيف بان أغلب العاملين في الحراسة محرومين من الحصول على نسخ من العقود المبرمة مع شركتهم، وكل ما في الأمر أنه "يقال بأن هناك عقودا تحترم القوانين الجاري بها العمل في إطار مدونة الشغل، وحتى إن كانت فستكون في أغلبها عقودا تنتهك حقوقنا".
وأمام هذا الوضع، قليلاً ما نسمع شخصاً يستمر في العمل مع هذه الشركات الأمنية مدة طويلة، إذ سرعان ما يبحث عن عمل أفضل يوفر له دخلاً متوسطا يكفل له الأمن الوظيفي له ولعائلته.
"تغطي الشمس بالغربال"
الواقع شيء، وما يدلي به أرباب شركات الأمن الخاص شيء آخر، وشهادات الكثير من العاملين في المجال تسير في اتجاه واحد.
بالطابق الثاني من إحدى العمارات بشارع محمد الخامس، حيث يوجد فرع لشركة أمنية خاصة "R.M.O"، في البداية رفض المسؤول عن الفرع التحدث إلينا، حاولنا استفساره بخصوص المشاكل التي تعاني منها شريحة كبيرة من العاملين بالقطاع، يقول بأن "شركته لا تعاني من هذه المشاكل بشكل مطلق، ويؤكد على أن "R.M.O" و" Group4Securicor" هما الشركتين اللتين تعملان بالقانون في هذا الإطار، إضافة إلى كونهما معروفتان داخل المغرب وخارجه، ويضيف بأن الشركة توظف حوالي 12000 من الشباب المغربي، منهم الذكور والإناث، وأنهم يتمتعون بحقوقهم سواء المادية أو المعنوية، وخصوصا المتعلقة بتسجيلهم بصندوق الضمان الاجتماعي، والاستفادة من التغطية الصحية، وكذا جمايتهم من حوادث الشغل، إضافة على كونهم يتسلمون أجورهم وفق نظام "السميك"، في مبلغ يقدر بـ 77.28 درهم لليوم الواحد.
وغير بعيد عن شركة "R.M.O"، وبالضبط بالعمارة المقابلة لها من الضفة الأخرى للشارع، حيث توجد الإدارة المركزية لشركة "MAJA.SER.SARL"، يكتفي أحد مسؤوليها بالقول بأن "شركات الأمن الخاص تشغل العديد من الشباب، في وقت تعرف فيه بلادنا أزمة حقيقية ناتجة عن تفشي ظاهرة البطالة"، ويضيف "العديد من الشباب لا يجد حتى من يقدم له 10 دراهم في اليوم الواحد"، وفي ظل هذا الوضع، يرى بأن شركته وغيرها قدمت خيرا كبيرا للعديد من العائلات المغربية. هذا المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، ورفض تزويدنا بالمعلومات الكافية في غياب مدير الشركة، يقول بأنه يعمل في هذه الشركة لمدة 10 سنوات، وأحسن له بكثير من القطاع الشبه العمومي الذي كان يعمل فيه قبل ذلك. ولم لا يكون محقا وهو من المسؤولين الكبار بالشركة، والذين في غالب الأحيان ما تكون رواتبهم الشهرية أضعاف مضاعفة لرواتب العمال الجدد الذين يعملون ليل نهار.
وخلاصة القول، وأمام هذا الوضع الذي تعيشه هذه الشركات الأمنية، يتضح بأن المسؤولين على القطاع استوردوا مفهوم "Sécurité privée " من الغرب، واستوردوا زَيَّ هذه الخدمة والقليل من طرق اشتغالها، لكن لم يستوردوا معها حقوق مستخدميها ولا أساليب تعليمهم لها ولا تدريسهم لتقنياتها ولا تأطيرهم وتكوينهم للقيام ب