السفارة الأميركية والعدل والإحسان أية علاقة؟
ذ إسماعيل العلوي
2011-09-18 22:17
الدفعة الأخيرة من"وثائق وكيليكس" التي تجاوزت 100 ألف برقية، لم تسثتن أحدا، فقد كشفت عن اتصالات بين مسؤولين في السفارة الأمريكية وقيادات من كل الأطياف السياسية في المغرب، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار حكومة ومعارضة، حيث غطت القصاصات جزء كبيرا من المشهد السياسي على ثلاث مستويات:
1-مستوى الجهات الرسمية الملك ومحيطه وأعضاء الحكومة: حيث وردت أسماء محمد السادس، وأندري أزولاي، وإدريس لشكر، فؤاد الهمة، وخليهن ولد الرشيد، فاطمة الزهراء المنصوري.
2-مستوى التيارات الإسلامية:حيث أوردت البرقيات أسماء كل من عبد الإله بن كيران، فتح الله أرسلان، حسن بن ناجح، لحسن الداودي.
3-مستوى قوى المجتمع المدني:حيث ذكرت أسماء كل من أحمد الدغرني، وخالد الحريري، وآخرين لم يتم الكشف على أسمائهم.
لكن لست أدري لماذا يحلو للبعض أن يسلط الضوء على الإسلاميين فقط، وخاصة العدل والإحسان؟ ولماذا يركز على اتصالاتهم بالسفارة الأمريكية ويصفها بالسرية؟ ويحاول اتهامهم بمحاولة الاستقواء بالأمريكان؟ بل منهم من ذهب إلى أبعد من ذلك، حين اعتبر هذه الاتصالات نوعا من الخيانة والعمالة، وكأننا ما زلنا نعيش في حقبة جدار برلين والأنظمة الشمولية، حين كان العالم مقسما إلى معسكرين، ويعتبر كل اتصال مع الطرف الآخر تجسسا وخيانة للمعسكر الثاني.
بالمقابل نجد التيار الإسلامي ينفي هذه الاتهامات، ويعتبر الاتصال بالأمريكان أمرا عاديا وغير سري في عالم صار أشبه بقرية صغيرة لسببين:
1- لأنه يدخل في إطار إسماع صوت المعارضة الإسلامية للغرب بشكل مباشر، لتصحيح النظرة الغربية لهذه التنظيمات، وتقديم تطمينات لأمريكا الحريصة على مصالحها، والخائفة من تكرار تجاربها الفاشلة مع الإسلاميين في إيران وأفغانستان والعراق، وبالتالي وفي هذه الحدود فلا ضير من ذلك مادام موضوع الاتصالات هو حقوق الإنسان والديمقراطية وتوسيع هامش الحريات.
2-لأن القوى الإسلامية تيقنت أن الأنظمة المحلية، لا تحل ولا تربط إلا بإذن سادتها في الغرب، لذلك فتحت قنوات اتصال مباشرة مع الإدارة الأمريكية، لاسيما بعد تغير السياسة الأمريكية تجاه الإسلاميين.
لكن الأمر المستغرب وسط هذا الضجيج والصخب الإعلامي، هو غياب الموقف الحكومي الرسمي، فالأستاذ خالد الناصري الذي تعودنا على خرجاته الإعلامية في كل حين، لم يعلق على كل ذلك، أي لا على صحة الاتصالات، ولا على مضامينها، كأن هذا الأمر لا يعني الحكومة، وكأن تحركات السفارة الأمريكية تتم في جزر الواقواق !!!
وإذا كانت حكومة عباس الفاسي اختارت الصمت والغموض، فلم تنف ولم تؤكد، فإن السفير الأمريكي صامويل كابلان بخلاف ذلك اعترف في اللقاء الذي نظمته جريدة ليكونومست بعقد لقاءات مع مسؤولين من العدل والإحسان موضحا:" إن هذه اللقاءات كان الهدف من وراءها تقصي واستطلاع الطرق التي تفكر بها الجهات المعارضة للسلطة بالمغرب، وأنها تتم بعلم وزارة الخارجية المغربية، التي يتم موافاتها بكافة التفاصيل قبل الاجتماعات، موضحا وجود مساطر صارمة تتبعها السفارة قبل لقاء أي تنظيم أو جماعة معارضة للسلطة"
فإذا كان هذا الكلام صحيحا، فاتصالات قيادات كمصطفى الرميد وحسن بن ناجح ومصطفى الخلفي، -وكما يؤكد الإسلاميون- تتم بعلم السلطات المغربية، وليست سرية وليس فيها ما يورطهم أو يثير حولهم الشبه، وفي هذه الحالة فالسفارة الأمريكية تلعب دور الوسيط، الذي يقرب وجهات النظر وينقل الرسائل فيما يشبه المفاوضات غير المباشرة، خاصة مع تنظيم لا يملك قنوات اتصال مباشرة مع الدولة كالعدل والإحسان، أما إذا كان تصريح السفير الأمريكي غير صحيح، فإن الأمر يفرض على الحكومة خيارين:
1- رد دبلوماسي حازم حيال السفارة الأمريكية في المغرب لمطالبتها بالتزام حدودها، واحترام الأعراف الدبلوماسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب.
2-تحريك المتابعة القضائية وفتح تحقيق بتهمة التخابر مع جهة خارجية، لمعرفة طبيعة علاقة هذه الأطراف مع الأمريكيين وحدودها -خاصة وأن من بينهم موظفون سامون في الدولة- وهل تصل فعلا إلى التجسس وتلقي الأموال؟ أم أن العلاقة لا تعدو كونها لقاءات عادية وروتينية.
أما اختباء الحكومة والجهات الأمنية وراء بعض الصحف والمواقع الإلكترونية البوليسية المشبوهة -التي فرخت بشكل لافت مؤخرا- للتشكيك في وطنية المعارضين، عن طريق تسريب الأخبار والإشاعات، ونشر بعض الصور التي تلتقط خلسة من طرف المخابرات، والضرب تحت الحزام واتهام الأشخاص جزافا، فهذا أسلوب رخيص وغير مسؤول.
وعلى أية حال إذا كان مطلوبا من الحكومة انتهاج سياسة أكثر وضوحا وشفافية، واتخاذ موقف حاسم من تحركات السفارة الأمريكية في المغرب، فإن المطلوب من كل الأطراف الأخرى، سواء كانت في المعارضة أو من نشطاء المجتمع المدني الوضوح وعدم التكتم ونشر المعطيات بكل شفافية، مع الاحتراس من تلقي كافة أشكال الدعم الأمريكي المالي والثقافي والدبلوماسي، وعلى كل الأطراف أن تحرص على خدمة مصلحة بلدها، كما يحرص الأمريكيون بكل الوسائل على مصالحهم في كل قارات العالم.
Makal011@yahoo.fr