الفزازي: ليس في مصلحة المغرب تهميش السلفيين
حاوره: حسن الأشرف * إسلام أون لاين
2011-08-26 02:03
تقــديمأكد الشيخ محمد الفزازي، أحد أشهر رموز السلفية وأكثرهم شعبية بالمغرب، في حوار مطول خص به موقع إسلام أون لاين، أن جماعة العدل والإحسان ـ التي يعتبرها الكثيرون أقوى التنظيمات الإسلامية بالبلاد ـ تحتاج إلى روية وتؤدة، وإلى ترجيح المصلحة العامة على مصلحة الجماعة الخاصة.
و عرج الحوار على رأي الشيخ الفزازي في بعض المكونات الأخرى للطيف الإسلامي بالمغرب، من قبيل حركة التوحيد والإصلاح والشبيبة الإسلامية، وأوضح المتحدث أن الصوفية هي أكثر تغلغلا في المجتمع وأكثر ليونة من السلفيين، لكن الآفة عندهم هي البدعة في كثير من معتقدهم وتعبدهم.
ويرى الفزازي في الحوار ذاته أن السلفيين في عمومهم بالمغرب ينخرطون مع النظام الحاكم في مشروع الإصلاح السياسي والدستوري والاجتماعي الكبير، وبالتالي فإن تهميش الدولة للسلفيين لا يعود عليها بالنفع.
وأكد الشيخ الفزازي بأن السلفيين مع إمارة المؤمنين نظاما للحكم وليسوا مع أي نمط آخر للحكم، مشيرا إلى أن مراجعاته الفكرية والسياسية الأخيرة لم تجعله يتنازل عن ثوابته الاعتقادية، وذلك وفق الموازنة بين المصلحة والمفسدة.
باب النصيحة مفتوح
وجهت قبل أيام خلت، رسالة مفتوحة إلى جماعة العدل والإحسان، اعتبرها الكثيرون نصائح سياسية بالواضح إلى هذه الجماعة.. سؤالي هو: ماهي السياقات الحقيقية التي دفعتك لتحرير رسالة علنية إلى العدل والإحسان؟بسم الله الرحمن الرحيم:
رسالتي إلى جماعة العدل والإحسان لا تخرج عن النصيحة المطلوبة من المسلم شرعا. لا سيما وقد رأيت الداعي إليها في غاية الإلحاح.. وأظن أنه بالرجوع إلى الرسالة ذاتها يمكن التعرف على السياق العام والخلفية الحقيقية التي دفعتني لهذا العمل. ولا بأس أن أقول الآن: إن إسقاط الفساد ممكن إذا حافظنا على وحدة الرؤية لدى الشعب، حتى لا ينقلب إسقاط الفساد إلى ترسيخ الفساد.
هل تعتبر تلك الرسالة نصيحة إلى هذه الجماعة الإسلامية؟ ..فأنت تعلم أن النصيحة في الملأ تتحول إلى فضيحة قد تأخذ المنصوحَ العزةُ بالإثم بسببها..لا معنى لأية فضيحة والحمد لله، فأنا لم أتطرق لما اعتاد خصوم الجماعة أن يتطرقوا إليه، حيث مجالات التبديع والاتهام بالخرافات والشطحات والمنامات، وغير ذلك..
لم أعد أهتم بهذه الأمور، وقد أخذت عهدا على نفسي أن لا أنشغل بهذه الردود التي لا تؤدي إلى كثير من الإيجابية. النصح بابه لا ينغلق، لكن لا أحب أن أواصل على نفس الاتجاه القديم بتصويب سهامي إلى أهل القبلة. إنني أحتفظ بمجهوداتي المتواضعة للدفاع عن ثوابت أمتي، وعلى رأسها الإسلام بمفهومه العام.
لباقة رد الجماعةردت عليك الجماعة كما تعلم من خلال جواب مكتوب نشرته إحدى الصحف المغربية..جاء فيه رفض طلباتك ونصائحك باستثناء دعوتك إلى الحوار...وهنا لدي سؤالان، الأول يتعلق بالشكل، والثاني بالمضمون..بالنسبة لما هو شكلي، لوحظ من صياغة رد الجماعة عليك أنها حدثتك بكل أدب واحترام جم، فهي لم تهاجمك ولم تتهمك رغم أن لغتك في الرسالة كانت قوية اتجاه هذه الجماعة..كيف تفسر كل هذا اللطف في ردهم عليكم؟لم يرد في رسالتي إلى الجماعة ما يستوجب الخشونة في الرد، لا سيما وهم يعلمون من منهجي القديم مجالات الطعن... وعندما لم يجدوا شيئا ممن يمكن أن يتوقعوه مني كالتركيز على العقيدة والسنة وما إلى ذلك.. أدركوا أن رسالتي ذات صبغة أخرى مغايرة تماما للصبغة البائدة، فسلكوا المسلك الحسن.
غير أن ما تسميه أنت اللغة القوية، أسميه أنا تسمية الشيء باسمه، كما يقول الفرنسيون Il faut appeler un chat un chat...يعني يجب تسمية القط بالقط.
صحيح كان الأستاذ أرسلان الناطق الرسمي للجماعة لبقا ولطيفا كما قلت، لكن لم تكن هذه هي سيرة الأتباع من خلال التعليقات على الرسالة... لقد قالوا في شخصي ما لم يقله مالك في الخمر، لتعلم أن الخطاب الرسمي شيء، وما يتربى عليه المريدون شيء آخر للأسف.
هناك من اعتبر أدب وديبلوماسية من رد عليك من جماعة العدل والإحسان محاولة لاستمالتك وكسب ودك، ربما باعتبارك تملك قاعدة جماهيرية لا يستهان بها على الأقل في مدينة طنجة حيث أنت، والتي تعد من المدن النشيطة في إطار حركة 20 فبراير التي تدعمها الجماعة بقوة وبتأثير أيضا. فما قولك؟صحيح، لا يمكن لأحد أن يضيق واسعا، فالقاعدة الشعبية التي تتشبع بمنهجنا في العلم والعمل، وفي التصور والتصرف تتشعب في كل أرجاء المملكة المغربية، وليس فقط في مدينة طنجة.
والعدل والإحسان لهم من الذكاء ما يكفي ليتعاملوا معي باللباقة المطلوبة؛ أولا بناء على هذا المعطى السياسي القوي، أي الشعبية؛ وثانيا لأنني أنا أتعامل معهم بكل احترام وتقدير...
ومن احترامي لهم أنني نصحتهم بما أرى فيه مصلحة في الدين والدنيا.. هم يريدون فقط المواجهة مع النظام الذي يمثل لهم رمز الاستبداد و... إلخ، ولا يرغبون في أن يروا شريحة شعبية أخرى تنزل إلى الشارع بكل ثقلها لتطالب بإسقاط الفساد والإسراع في الإصلاح، لكن مع الملك وليس ضدا عليه.
وهذا الأمر ’’يشوش’’ عليهم الصورة بكل تأكيد. فماذا يفعلون؟ هل سيرددون شعار الشعب يريد إسقاط الشعب؟ أم يتعاملون معي بالحسنى، كما أتعامل معهم بالحسنى إلى أن يفعل الله أمرا كان مفعولا؟..
جمود فكر العدل والإحسان
نعم..الآن سؤالي حول المضمون لو سمحت شيخ الفزازي..كيف تلقيت رد الجماعة عموما، وفي مسألة تأسيس حزب على سبيل المثال، حيث أن الجماعة لا ترى في الحزب السياسي سوى منحة يمنحها النظام لمن شاء ومتى شاء.؟إني أتأسف على جمود الجماعة في الفكر بخصوص النظام المغربي، لا يزالون يتعاملون مع العهد الجديد كما كانوا يتعاملون معه في عهد الراحل الحسن الثاني. صحيح، هم يقولون لا شيء تغير؛ ويقولون إن التغييرات الطفيفة جدا والتي أوهمت بالإصلاح، إنما حصلت بسبب هذا الحراك الشعبي الذي يجب أن يتواصل للمزيد من تحقيق الإصلاحات الجوهرية الكبرى التي تذهب ربما إلى حد إسقاط النظام؛ أقول ربما....
من ناحيتي أنا ـ وهو ما يوافقني عليه غير قليل من الحركات الإسلامية الأخرى والسياسية، وربما أغلبية الشعب ـ هو أن محمدا السادس ليس هو الحسن الثاني؛ ولو رحت أحدد الفوارق لما وسعني حيز هذا الحوار..
خذ مثلا واحدا: الفرق بين مسجد الحسن الثاني الذي كلف الملايير في الوقت الذي كان يمكن أن نبني بتلك المبالغ الهائلة عشرات المصانع والمساجد الأقل بذخا وتبذيرا... والميناء المتوسطي بطنجة قلب كل المؤشرات الاقتصادية نحو الازدهار والمنافسة القوية مع الجارة إسبانيا. هذه سياسة محمد السادس الإصلاحية، وتلك كانت سياسة الحسن الثاني المخزنية، على حد قول جماعة العدل والإحسان.
ما أريد أن أقوله هو أننا اليوم بفضل عدة عوامل متداخلة، وليس فقط حركة عشرين فبراير وحدها، نعيش تغييرا جذريا. دستور جديد، على الرغم من كل ما قيل حوله، وإصلاحات بين ما هو منجز وما هو في طريق الإنجاز... ننتظر حكومة جديدة وسياسة جديدة وسلطة جديدة. ربما يكون حزب العدالة والتنمية صاحب القرار فيما يخوله له الدستور الجديد... أقصد أن الأمور تتغير بجد، وأرى أن نهتم بتفعيل الدستور الآن. في مقابل هذا، هناك التخوف من تدهور الخيار الأمني وانجراف البلد إلى العنف والعنف المضاد بما يريق دماء ويزهق أرواحا ويخرب ممتلكات... على غرار ما يقع في سوريا وليبيا واليمن... لا قدر الله. وهو ما لا يخدم مصلحة أحد، لا سيما وهذه تونس ومصر لم تتضح فيهما الأمور ولم يرض عنها الشعبان إلى حد الآن. فهل الشرع والعقل يهديان إلى حيث المصلحة والأمن والاستقرار، مع المطالبة بالإصلاحات والعمل عليها بكل قوة من داخل الشرعية لاتقاء الفتنة والويلات، أم لا بد أن نركب رؤوسنا ولا نقنع إلا بكل شيء أو لا شيء؟..
بحسب كلامك هذا ..هل نفهم أنك يا شيخ الفزازي تجد مواقف جماعة العدل والإحسان عدمية أو متطرفة؟أجدها في حاجة إلى روية وتؤدة، وفي حاجة إلى ترجيح مصلحة العامة على مصلحة الجماعة الخاصة، وأن يفهموا أن المصلحة العامة هي أيضا مصلحتهم لأنهم جزء من هذا العموم.
لا أريد لهم أن يسجل التاريخ يوما أن الجماعة كانت وراء الفتنة التي أتت على الأخضر واليابس. أريد لهم أن يلتحموا مع القوى السياسية والدينية الأخرى، وأن يعملوا لصالح أمتهم من منظور ترجيح مصلحة التعايش على مفسدة الافتتان. لا بد أن يفهموا أن أغلبية الشعب مع السلم والإصلاح من داخل المؤسسات ومع ملك البلاد الذي يحبه شعبه مهما اختلفنا في طبيعة هذا الحب ومقداره. ألا يجدر بنا والحالة هذه أن نلتحق بالشعب فيما يريد على الحقيقة، وليس فيما يقال عنه إنه يريد وهو لا يريد؟..
مكونات الطيف الإسلاميبعد الحديث مطولا عن جماعة العدل والإحسان، لنتحدث قليلا لو أذنت عن بعض باقي مكونات الطيف الإسلامي بالمغرب..حركة التوحيد والإصلاح مثلا..ما علاقتك بها؟ وكيف تقيم جهودها في ساحة تدافع القيم وساحة الدعوة والسياسة أيضا؟حركة الإصلاح والتوحيد حركة علم ودعوة، وهي مخزون فكري وعقدي وخلقي لحزب العدالة والتنمية، إنها الجناح العلمي للدعوة، في حين حزب المصباح هو الجناح العملي للدولة، أقصد للمشروع السياسي داخل الدولة.
وأملي أن يشتغلوا بقوة على تطوير منتوجهم التواصلي والإعلامي، كأن يحدثوا قناة تلفزيونية خاصة، وجريدة محترمة تحمل دعوتهم إلى القريب والبعيد.
علاقتي بحركة التوحيد والإصلاح منعدمة تماما لأسباب متعددة، أرجو أن أربط معها جسور التعاون من الآن فصاعدا. إنها فاعل ديني وسياسي محترم، أسأل الله تعالى أن يبارك في جهودها.
طيب..قيل إنك إن لم تؤسس حزبا سياسيا خاصا بك، سوف تنخرط في حزب العدالة والتنمية..كما سمعنا أن حزب النهضة والفضيلة اتصل بك..أين الفيزازي من كل هذا؟ هل ستؤسس حزبا بالفعل قبل الانتخابات المقبلة؟ أم ستدعم إخوان بنكيران؟في الحقيقة أنا أجد نفسي في مجال الدعوة إلى الله تعالى خارج كل تأطير سياسي، المسجد والخطابة والتدريس، والاشتغال بالعلم والنقد السياسي، واستثمار وسائل العصر في التبليغ والدعوة... هذا هو ما أجد فيه نفسي أكثر، لكن من يدري فقد ألتحق بحزب إسلامي كالعدالة والتنمية أو حزب النهضة والفضيلة...وهناك أيضا مشروع تأسيس جمعية تعنى بالدفاع عن ثوابت الأمة. والله الموفق.
كيف تنظر إلى مكون آخر للطيف الإسلامي المغربي، وإن كان خارج البلاد ...الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع..؟ هل من نقط الالتقاء معكم وما الاختلافات؟لا توجد أية صلة بيننا على الإطلاق، فأنا لا أعرف الشيخ عبد الكريم مطيع إلا من خلال ما أقرأه عنه في الصحف على ندرة ذلك،، وأرجو أن يدخل إلى بلده ليعمل معنا في الاتجاه المنشود.
الصوفيون مالهم وما عليهمأستاذ الفيزازي..وماذا عن الصوفيين المغاربة؟ هل تراهم حقا على بدع ضالة كما يقول بذلك عدد من الدعاة السلفيين المغاربة؟
المتصوفة مثل السلفيين مثل غيرهم من الناس، لهم وعليهم، فالسلفيون يمتازون بصفاء العقيدة والعبادة بما يصح من تفسير وحديث... لكن يخالط بعضهم شيء من الغلو والتنطع وعدم المرونة في التعامل مع باقي الشرائح الاجتماعية، في حين أن الصوفية أكثر تغلغلا في المجتمع وأكثر ليونة، لكن الآفة عندهم هي البدعة في كثير من معتقدهم وتعبدهم، وأرجو الله تعالى أن يصلحنا جميعا.
تعلم أن الدولة تشجع التصوف للتضييق على الحركات الإسلامية خاصة السلفية منها بالمغرب، وأيضا تنفيذا لتوجيهات أمريكا التي ترى في التصوف تدينا سلبيا لا يشكل خطرا على وجودها وايديولوجيتها.. برأيك، ما قدر الصواب والخطأ في الدعم الرسمي للطرق الصوفية في البلاد؟
الدعم الرسمي للصوفية في المغرب واضح جدا، فوزير الأوقاف الصوفي الذي يعمل في صالح المتصوفة بكل ما يمكنه منه منصبه، والزوايا في ازدهار منقطع النظير بسبب التشجيع الحكومي المتواصل... كل ذلك تخوفا من السلفية التي اعتبرت مسؤولة عن (الإرهاب) والعنف ومعاداة النظام كما يقال.
لكن بنظرة صغيرة واحدة، ندرك أن هذه ليست سياسة ناجحة ولا موفقة، فالعدل والإحسان حركة صوفية وخرجت من رحم البوتشيشية، وهي ضد النظام وتشكل الآن الثقل الحقيقي في حركة عشرين فبراير.
والسلفيون في عمومهم مع النظام في مشروع الإصلاح الكبير، تقديما لمصلحة البلاد العامة على أي شيء آخر. ولعله جاء الوقت لتدرك الدولة أن تهميش السلفيين ليس في مصلحتها.
ما تريده أمريكا يعني أمريكا وحدها. نحن يجب أن نؤسس لحياتنا وفق ذاتيتنا وقدراتنا الخاصة مهما كانت متواضعة. وحينها سيحترمنا العالم كله أكثر، بما في ذلك أمريكا.
مراجعات.. لا قلب المعطف
صدرت منك شيخ محمد الفزازي أخيرا عدد من المواقف التي فاجأت الكثيرين... موقفك الداعم للملكية ومديحك لمدير المخابرات التي اعتقلتك 8 سنوات، وحديثك عن التحزب، وكلامك الطيب عن بعض الأشخاص من سياسيين ودعاة كنت تكيل لهم التهم من قبل جزافا...حتى أن البعض قال إنك غيرت معطفك وصرت مخزنيا، في حين قال آخرون إن الفيزازي يقوم بمراجعاته الفكرية على طريقته الخاصة... كيف ترد على هؤلاء وأولئك؟ هل هي مراجعات أم تنازلات؟
قبل الحديث عن تغيير المعطف من عدمه، أدعوك للتأمل في السياسة الحالية التي تنهجها جميع الدول العربية، دعك من الإسلامية، وهي أن هذه الدول هي التي قلبت معطفها، للأسباب التي نعلمها جميعا، لكن قلبت معطفها يقينا، المغرب ليس نشازا. فقد تغير من حيث هو دولة، تغير كثيرا جدا من أعلاه إلى أسفله. وبناء على هذا التغيير قررت أن أتغير أنا أيضا بما لا يتعارض مع ثوابت معتقدي.
أما المديح لمدير المخابرات وغيره فهو غير صحيح، اللهم إلا إذا اعتبرنا الاعتراف بموقف حسن منه أو من غيره مديحا، فهذا أمر آخر. وما نشر في جريدة المساء المغربية من أنني قلت لولا رئيس المخابرات الحموشي لما خرجت من السجن أبدا فهو غير صحيح بالمرة، وهو تصرف خاطئ من الصحافي الذي وضع العنوان، لأنك إذا قرأت المقال وجدته يذكر أن التقارير الإيجابية التي كان يرفعها السيد الحموشي بشأني داخل السجن إلى ملك البلاد هي التي كانت وراء الإفراج عني. وأنا صراحة لا أظن أن المخابرات المغربية هي التي كانت وراء اعتقالي، ربما كانت هناك إكراهات أخرى من جهات أخرى. الله أعلم.
أما الدفاع عن الملكية وإمارة المؤمنين فهو حق، بصرف النظر عن الجالس على العرش. الملكية هي التي تصلح لبلدنا متعدد الأعراق والثقافات.. علينا فقط أن نصلح الفساد المستشري في الأمة، لا أن نحدث فسادا آخر بالمطالبة بإسقاط الملكية وإمارة المؤمنين، فذلك سيفقدنا ما تبقى لنا من معاني الحكم الإسلامي بقطع النظر عن تفشي مظاهر العلمانية في المجتمع..
لهذا، نحن مع إمارة المؤمنين التي نعتبرها عاملا إيجابيا للعودة إلى واحة الإسلام الظليلة، وليس مع أي نمط آخر للحكم الذي لن يجعل من هذا البلد إلا مرتعا لكل طامع ومتربص. وسننتقل بعد ذلك إلى صراع على الحكم لا ندري من وقود النار فيه ولا من هو حطبه، وحينها سنعض أصابع الندم على ما فرطنا فيه، ولات ساعة مندم.
يخشى البعض يا شيخ أن تكون مراجعاتك هذه قد تمت على حساب قناعاتك ؟إنني راجعت كثيرا من مواقفي حيال كثير من القضايا والجهات... لكنني لم أتنازل عن شيء من ثوابت قناعتي. لقد غيرت من نظرتي للأمور، ولم أتغير وفق أجندة تخدم مصلحة غيري.
إني أشتغل الآن أكثر بحساب الموازنة بين المصلحة والمفسدة، ووجدت أن الاستمرار على النهج القديم الذي كنت عليه لا يؤدي إلا إلى العدمية.
أنا الآن فقدت بعض الإخوان من داخل ما يعرف بالسلفية الجهادية يقينا، ولكني كسبت إخوة آخرين من سلفيين وإخوانيين، وغيرهم أضعاف أضعاف ما فقدت سواء على مستوى الكم والعدد، أم على مستوى النوع والكيف. ها هي ذي المصلحة.
ملف السلفية الجهاديةكتبت قبل أيام رسالة إلى ملك البلاد تستعطفه لإيجاد مخرج نهائي لملف ما يسمى بالسلفية الجهادية..فماذا تقترح تحديدا على الدولة للنظر في ملفاتهم ومظلومياتهم، خاصة أبو حفص والحدوشي وحسن الكتاني؟هؤلاء مكانهم في مجتمعهم ومساجدهم وليس الزنزانة. أنا كتبت رسالة لملك البلاد أستعطفه فيها حل هذا المشكل حلا جذريا بهذه المناسبة العظيمة الرمضانية، شهر الرحمة والغفران، وذلك طمعا في أن ينقلب هؤلاء إلى أهليهم وذويهم... مع العلم أنهم سيكونون في خدمة الاستقرار، وفي نصرة إمارة المؤمنين بكل يقين.
عندما أرى شخصا مثليا ـ شاذا جنسيا ـ يدعو إلى المجاهرة بالإفطار في رمضان، ويدعو إلى إسقاط النظام بكل حرية في أزقة طنجة أو غيرها، يعتصرني الألم على هؤلاء الشيوخ الذين يقبعون في السجن في تناقض غير مفهوم.
وماذا تقترح على هؤلاء المشايخ في السجون؟ ما رسالتك لهم؟أقترح عليهم ألا ييأسوا وأن يشكلوا داخل السجن إطارا واضحا للتعامل مع الدولة يعربون فيه عن أفكارهم المعتدلة بكل وضوح، ويتقدمون إلى أمير المؤمنين بتعهد مفصل حول مستقبلهم الديني والسياسي، وعن تصورهم للقضايا الراهنة حول الحراك الاحتجاجي الدائر هذه الأيام.
كما أحثهم على ضم كل الإخوة الذين يوافقون على منظورهم السياسي وقناعتهم حيال التعامل مع الدولة والمجتمع. يجب أن يعرب كل واحد منهم عن تشبثه بخط الصلح والتصالح بكل وضوح وجدية، كل واحد باسمه وتصريحه، وأن يعطوا البرهان زيادة على ما أعطوه من قبل، مثل رسالة (أنصفونا) للشيخ أبي حفص والتي وافق عليها الشيخ حسن الكتاني، دون كلل أو ملل، وأنهم مع ثوابت هذا البلد واستقراره، ولا يلتفتون إلى أصوات الغلو والتشدد التي لا خير فيها دينا ودنيا.
بهذا يكونون قد أبرأوا ذمتهم أكثر وأكثر، لا سيما بعد الأحداث الأخيرة في سجن سلا؛ ويكونون قد رموا بالكرة في ملعب الدولة التي نرجو أن تفك هذا الملف فكا، والله الموفق.