ayoub10 عضو جديد
الجنس : عًٍـمـًرٌٍيَـے• : 36 مَدينتے• : اكادير المشآرڪآت : 24 نقاطي : 5664 سٌّمعَتي : -1 برجي :
| موضوع: حوار مع الأديب والكاتب المغربي ورجل الأمن: لحسن باكور 19/7/2011, 18:20 | |
| جريدة مغرب الغد تحاور الأديب والكاتب المغربي ورجل الأمن: لحسن باكور
حاوره: مولاي محمد اسماعيلي
أجرت جريدة مغرب الغد حوارا مع الأديب والكاتب المغربي لحسن باكور, الذي فاز بجائزة الشارقة للابداع في سنة 2008 عن مجموعته القصصية " رجل الكراسي " ,كما فاز أيضا بجائزة دبي الثقافية عن " روايته شريط متعرج من الضوء". سيتمحور حديثنا معه حول مسار تجربته، البدايات وعلى الجوائز التي حصل عليها، باعتبار أن طبيعة عمله جعلت منه نجما على مستوى الكتابة ,لأنه في الأساس هو مهنته رجل أمن، ولكنه استطاع أن يلج إلى عالم الإبداع بشكل قوي جدا، ويحقق مجموعة من الإنجازات ويحصل على مجموعة من الجوائز. نبدأ بالسؤال الأول عن البدايات.
س: كيف كانت بديات الأديب والكاتب المغربي لحسن باكور ؟
ج: أولا أنا سعيد بهذه الاستضافة من طرف جريدة مغرب الغد وأتمنى أن يكون حوارنا مفيدا وجميلا. سأبذل جهدي قدر المستطاع لكي يكون كذلك. وجوابا على سؤالكم أعود بذاكرتي إلى فترة دراستي الابتدائية، لأشير إلى قضية مهمة جدا وهي العلاقة الوثيقة بين القراءة والكتابة. لا يمكنني أن أتصور أي كتابة بمعزل عن القراءة, لأن الشغف بالقراءة وبالكلمة الجميلة، قد توجه القارئ متى ما توفرت له الاستعداد الفطري ( الموهبة ) نحو الكتابة رغبة في تقليد ما يقرؤه وتجريب هذه القدرة التي تمتلكها الكلمات في التعبير عن مشاعر وخلجات الذات.
في مرحلة دراستي الابتدائية، كنت غالبا ما أكافأ على تفوقي الدراسي بمجموعة من كتب الأطفال. وأعتقد أن هذه الفترة التي كنت فيها أقرأ فيها هذه الكتب كان لها دور أساسي فعال في دفعي إلى الكتابة فيما بعد، لان تلك الكتابات رسخت في داخلي نوعا من الشغف بالحكاية والسرد, كذلك أجدني أتذكر ترددي، في تلك الفترة من الطفولة، على ساحة جامع الفناء, وشغفي بالاستماع إلى مجموعة من الحكواتيين والرواة الذين كانوا يسحروننا بحكاياتهم، والذين غاب معظمهم الآن عن مسرح الحياة ومسرح الساحة الشهيرة أيضا؛ رحلوا وما من خلف.
قلت أربط البدايات بتلك الفترة بالذات لأن قراءتي لتلك القصص وحكايات الأطفال والاستماع إلى الحكواتيين جعلني مسكونا بهذا الشغف بالحكي وبالتالي محاولات الكتابة في ما بعد.
في البداية كتبت شعرا في المرحلة الإعدادية والثانوية، لكن دون أن أدعي أني حققت شيئا ذا بال في هذا الجنس الأدبي. كانت محاولات بسيطة وساذجة، لم تكن ترقى إلى ما هو شعري على المستوى الفني لكن لقيت الكثير من التشجيع من طرف بعض أساتذتي آنذاك.
أعتقد أن بداياتي الأخرى الحقيقية في مجال الكتابة ترتبط , بنشر أول نص قصصي لي في جريدة مغربية، ربما إن لم تخني الذاكرة في سنة 1992 أوصيف 1993على ما أذكر. كنت قد بدأت أناوش الحرف. أحاول أن أكتب نصوصا نثرية بتأثير من قراءاتي آنذاك. وأذكر أنني كتبت نصا قصصيا بعنوان " مطارق البلدية " كان فيه الفضل للشاعر المغربي الأستاذ أحمد بلحاج آيت وارهام الذي استلم مني النص وقام بنشره في صيف سنة1993 واحتفظ لي بنسخة إلى أن التقيت به في بداية الموسم الدراسي وسلمني إياها. نشر هذا النص كان له وقع السحر بداخلي، كنت ساعتها تلميذا في المرحلة الثانوية. نشر النص في جريدة الميثاق الوطني. كان لهذه الجريدة الفضل الكبير على مجموعة من الكتاب المغاربة الشباب، حيث كانت تخصص صفحة أسبوعية تنشر فيها إبداعات الشباب. بعد ذلك تفتحت بداخلي تللك الرغبة في أن أنشر نصوصا أخرى لتتسع دائرة قرائي لتتجاوز دائرة القراء الأصدقاء والمقربين. لكن ما حدث هو بعد ذلك أنه اصطدمت بمشكل, هو أنني حاولت أن ابعث مجموعة من النصوص الأخرى النثرية التي كتبتها إلى منابر أخرى لكن لم أستطع أن أنشر في أي منبر آخر باستثناء المنبر السابق وهذا ولد لي نوعا من الإحباط، مما دفعني إلى البحث عن منابر خارج المغرب. لكن قبل ذلك كانت قد أذيعت لي مجموعة من النصوص القصصية في برنامج اسمه: "سهرة الأسبوع". كان يذاع يوم السبت في الإذاعة الوطنية المغربية وكانت تقدمه الأستاذة المذيعة فاطمة أقروط, مديرة الإذاعة الجهوية بمراكش الآن. كانت قد قرأت لي مجموعة من النصوص. كان لها هي كذلك وقع السحر في تشجيعي على الكتابة. بطبيعة الحال أي كاتب يحتاج إلي تشجيع وتحفيز سواء كان في البداية أم لا. التحفيز عامل مهم جدا في الكتابة والاستمرارية. كما قلت تجاهل مجموعة من المنابر الورقية المتاحة آنذاك لكتاباتي دفعني للبحث عن منابر أخرى خارج المغرب، لذلك فأنا غالبا ما أمازح أصدقائي بالقول ساخرا من الأمر " أنا مدين كثيرا للمنابر المغربية التي تجاهلتني " جعلتني أبحت عن منابر أخرى أرحب، وفعلا وجدت تلك الآفاق التي رحبت بي واحتضنت نصوصي, وأتحدث هنا عن مجموعة من المجلات العربية: مجلة الفيصل السعودية مجلة البيان الكويتية ,المجلة العربية السعودية, الرافد الإماراتية ومجلة ثقافات البحرينية.. نشرت فيها مجموعة من نصوصي القصصية.. إذن كانت هذه لمحة موجزة عن بداياتي المتعلقة بالكتابة.
لكني إذ أعاود التفكير بنوع من الحنين في مرحلة البدايات تلك، أعتقد أن جواز مروري الحقيقي نحو مملكة الكتابة الرائعة كان فيه الفضل لروائي عربي متميز هو حنا مينا. كنت في السابعة عشرة من عمري عندما قرأت روايته الرائعة " الشراع والعاصفة "، وكانت أول رواية أقرؤها. لقد أذهلتني وبقيت مسحورا ومفتونا بعوالمها لمدة طويلة. دهشت لهذه القدرة الخارقة التي تملكها الكلمات على أن تصنع عالما غنيا، معقدا وحافلا بالعلاقات الإنسانية الدافئة وصراع الإنسان مع الطبيعة من حوله ( البحر ) محاولا ترويضها. أزعم أن قراءة تلك الرواية هي التي أطلقت الشرارة الأولى للكتابة بداخلي، ووضعتني على طريق الإصابة بعشق الأدب. أدين بالكثير لهذا الأديب العملاق الذي أمتعني بعد ذلك بروايات أخرى. لم يلهمني حنا مينا فقط بكتاباته، وإنما بشكل لا يقل قوة وأهمية بسيرته الشخصية والأدبية. فقد كان أديبا عصاميا، استطاع أن يجلب لنفسه شهرة واسعة ومجدا أدبيا خالدا، منطلقا من الصفر.
v س: الأستاذ لحسن باكور بعد فترة البدايات أصبت نوعا من الشهرة والانفتاح على القارئ. . و يتبادر إلى ذهني الآن الطقوس التي تحيط بالكاتب عندما ينخرط في الكتابة ويكون في حالة إبداع. ما هي طقوس المبدع لحسن باكور في حالته الإبداعية ؟
v ج: ربما لكل كاتب طقوسه الخاصة في الكتابة إلا أنني اعتبر أن الكاتب الحقيقي في حالة كتابة مستمرة بشكل يومي. بالنسبة لي ليست لي طقوس خاصة محددة يعني أنني لا أمارس طقوسا ما بشكل واع أو قصدي. وأعتقد أن الكتابة فيها شئ من اللاوعي و اللامدرك، وبالتالي ليس لدى طقوس محددة. تعودت فقط أن أكتب في المقهى. لا أكتب في البيت إلا نادرا. ولا أكتب بالضرورة في أوقات معينة. أنا كما قلت في حالة كتابة مستمرة، في حوار متواصل مع المحيط ومع العالم من حولي. ألتقط الإشارات والصور التي تثيرني وأخزنها بداخلي. ووقتما أحسست بالرغبة أو القدرة والاستعداد للكتابة أقوم بذلك. ما أستطيع أن أدعوه طقسا في حالتي الخاصة هو العزلة. وهي شيء مشترك بين كل الكتاب؛ فالعزلة هي ضريبة الكتابة التي لا محيد عنها. وأتحدث هنا عن العزلة حتى بمعناها الاجتماعي الواسع، حيث يلفي الكاتب نفسه مضطرا لتقليص مجال علاقاته مع الآخرين، كي يتفرغ أكثر لكائناته الورقية.
v س: سنتحول الآن الى الجوائز المحصل عليها , أستاذ فزتم بجائزةالشارقة للإبداع سنة2008. كيف جاءت هذه المشاركة؟ يعني ما الحيثيات التي أدت إلى هده المشاركة؟
v ج: بطبيعة الحال نشرت قصصي في مجموعة من المنابر العربية الورقية والإلكترونية أيضا, وأصبحت أبحث باستمرار عن مجالات أخرى أرحب لتداول ونشر نصوصي وكتاباتي، إلى أن قرأت ذات مرة صدفة عن إعلان جائزة الشارقة للإبداع الأدبي، فشاركت المرة الأولى عندما كنت لازلت طالبا في الفترة الجامعية. شاركت لكن لم أفز. ثم شاركت للمرة الثانية 2007 بعد أن أنجزت مجموعة من النصوص الجديدة. اخترت تسع نصوص جمعتها في مجموعة "رجل الكراسي" التي حظيت بالفوز بالجائزة الثانية.
v س:هنا يأتي السؤال عن لحظة الفوز التي يكون لها دائما طعم خاص وإحساس خاص. هل لنا أن نطلع على هذا الإحساس؟ كيف كان إحساسك واللجنة تعلن عن فوز الأستاذ لحسن باكور بهذه الجائزة؟
v ج: كان إحساسا فريدا من نوعه لن أنساه أبدا, لأن هذا التتويج تتويج عربي. أحسست لحظتها أن الكتابة غير جاحدة. إذا أعطيتها من وقتك وجهدك بصدق ستعطيك أيضا, هذا هو الإحساس الذي غمرني لحظتها. كانت فرحتي عارمة, خاصة أن هذا التتويج جاء في فترة كنت أحس فيها بمجموعة من الإحباطات، وما يشبه اليأس من جدوى الكتابة. أكاد أشعر إلى حدود اللحظة بطعم ذلك الفوز الذي شكل انعطافة في تجربتي الأدبية، حيث أحسست أن الكتابة كما قلت لم تخذلني وأعطتني هي كذلك الشيء الكثير ومن ثم كانت بداية ثانية أنجزت خلالها مجموعة من النصوص الجديدة, ولازلت أحس بتلك الدفعة القوية التي أمدتني بها تلك الجائزة.
v س: هنا يأتي سؤال آخر: كما للحظة الفوز قوتها وحضورها، لها كذلك تداعياتها أو لنسميها تأثيراتها. يعني هل يمكن أن نتحدث عن لحسن باكور الأديب في شكل جديد بعد فوزه بالجائزة ؟
v ج: شق من الإجابة كامن في ردي عن السؤال أعلاه. فكما قلت كانت بصراحة مرحلة فارقة في تجربتي المتواضعة التي أعتبرها في البداية. إذ أحسست بأن هناك من ينصت إلي و أن نصوص الكاتب يمكن أن تصل، وأن الكتابة ،كما قلت، لن تخذل صاحبها. يكفي فقط أن نكتب بصدق وبإصرار. بالفعل يمكن الحديث عن مرحلة جديدة تماما في تجربتي بعد هذه الجائزة، ويكفي أن أذكر هنا أني أنجزت في فترة زمنية قصيرة يمكن قياسها بالشهور ما لم أستطيع أن أنجزه في سنوات في الفترة السابقة. النفس الإنسانية جبلت على حب التكريم والتقدير، وليس هناك كاتب يكتب لنفسه فقط؛ بل إنه يتلمس ويترقب صدى ما يكتبه لدى الآخرين.
v س: سننتقل إلى جائزة أخرى ما دمنا نتحدث عن تأثيرات الجائزة الأولى. فبعد ذلك مباشرة فزتم بجائزة الرواية في دبي سنة 2009عن روايتكم "شريط متعرج من الضوء" كيف جاء هذا الفوز الجديد وهذا العمل المختلف شيئا ما عن الجائزة الأولى ؟
v ج: بالنسبة للجائزة الثانية كما قلت يمكن اعتبارها مولودا شرعيا للجائزة الأولى. أحسست كما قلت سابقا بدفعة قوية من التشجيع والتحفيز للاستمرار في الكتابة. بصراحة لم يخطر لي قط على بال أنه بإمكاني أن أكتب رواية. كنت أعتبر نفسي دائما كاتب قصة، ولازلت كذلك لحد الآن. لكن الكتابة تبقى في العمق مغامرة. ولقد كانت كتابة رواية "شريط متعرج من الضوء", عبارة عن مغامرة حقيقية. خطرت لي الفكرة في البداية فشرعت في كتابتها دون أن أدرك بالضبط إلى أين ستقودني. كنت في حالة انتعاش وسعادة، وأحسست بالقدرة والطاقة المسعفة على الكتابة، ففرضت على نفسي برنامجا من الانضباط ومن الإصرار على الكتابة، وتركت الرواية تنمو من تلقاء نفسها وتتحدد معالم شخصياتها وأمكنتها وقضاياها، بنوع من الاستقلال عن إرادتي، إلى أن انتهت إلى ما هي عليه. هي رواية أولى بسيطة، لا تدعي لنفسها الكثير، لكن كتابتها كانت مفيدة جدا بالنسبة لي. وما أود الإشارة إليه هنا أني كتبت هذه الرواية على هامش كتابتي للقصة القصيرة وليس العكس. فأنا لم أنظر قط إلى القصة القصيرة باعتبارها معبرا أو جسرا يقود إلى كتابة الرواية. القصة القصيرة عشقي الأكبر الذي أتمنى أن أحقق فيه يوما ما هو جدير بالاهتمام.
v س: وكأن جوائز الإبداع في الإمارات العربية المتحدة وقعت في حب إبداعاتك، فزت للمرة الثالثة وفي نفس الدولة ولكن في إمارة أخرى إمارة أبو ظبي بجائزة القدس للقصة القصيرة عن قصة بعنوان "المصعد " حدثنا عن هذا التتويج الثالث في مسيرتكم وفي نفس الدولة ؟
v ج: كان لهذه الجائزة الثالثة وقع خاص وأثر رائع، لأنها أعادتني إلى التتويج بمضمار القصة القصيرة. هذا الجنس الإبداعي الجميل الذي أعشقه أكثر من أي شيء آخر. خاصة أني توجت عن قصة "المصعد" هذه القصة التي أعتز كثيرا بكتابتها. بالعودة إلى مسألة الجوائز أريد الإشارة من جديد إلى مسألة الحافز. فالحافز له دور أساسي وكبير جدا في استمرارية أي كاتب. هنا يمكننا الحديث عن الكتابة الأدبية في الغرب: فالمبدع يكتب مطمئنا، لأنه يعرف أن هناك ناشرا سينشر كتابه، وأن هناك قراء سيقرؤون ما يكتبه ونقاد.. يعني هناك متابعة من طرف جهات متعددة لمنتوجه الإبداعي، وبالتالي يجد هذا الكاتب المناخ الملائم الذي يتيح له أن يبدع. فالناس بحاجة إلى منتوجه الرمزي، وسيكافئونه عليه ماديا ومعنويا. سنكون كاذبين إذا قلنا إن الكاتب يكتب لنفسه فقط. صحيح أن الكاتبة تأتي استجابة لرغبة خاصة أو إحساس وجودي لدى الكاتب وللتحاور مع العالم من حوله, لكن المتلقي يبقى الهدف الحقيقي للكتابة، لا تستقيم بدونه وتبقى عملية ناقصة. فأنا بالنسبة لي أعتبر نفسي محظوظا بفوزي بهذه الجوائز الثلاث وكما قلت سابقا أحس بأن الكتابة قد أعطتني الشيء الكثير وأنها لم تخذلني لذلك سأستمر في الكتابة.
v س: هذه التتويجات تحققت كلها بدولة الإمارات العربية المتحدة. وبالإمكان القول إنه أصبحت تربطك علاقة عاطفية بهذه الدولة أو هذه الإمارات كلها بتنوع جوائزها وتنوع أماكن الحصول عليها, هل لنا بحديث موجز عن هذه العلاقة الوجدانية التي أصبحت تجمعكم بهذه الأماكن التي فزتم فيها بهذه الجوائز؟
v ج: يمكنني القول بأن ثمة ارتباطا وجدانيا بيني وبين دولة الإمارات. فلأول مرة تتاح لي فرصة السافر خارج المغرب بعد فوزي بالجائزتين السابقتين.. مع ما منحني ذلك السفر من غنى في التجربة، وفتح آفاق رحبة أمامي، سواء على مستوى الكتابة أو الحياة الشخصية، كما كان له الفضل أيضا في عقد مجموعة من العلاقات والصداقات التي تربطني إلى الآن بثلة من الكتاب المبدعين العرب خاصة في دولة مصر. لذلك فأنا مدين لهذه الدولة بالكثير. و من يدري ربما تخبئ لي المزيد من المفاجآت في المستقبل.
v س: الأستاذ لحسن باكور أنتم تشتغلون في مجال الأمن, وهنا يفرض سؤال نفسه: كيف يوفق الأستاذ لحسن بين مهمته الأساسية كرجل أمن وبين الكتابة والإبداع؟
v ج: غالبا ما يطرح على هذا السؤال تقريبا في جميع الحوارات التي أجريت معي. وفي فترة من الفترات تمنيت أن أجيب عليه جوابا نهائيا ثم لا أعود للحديث عنه أبدا.
على كل حال، ربما يعتقد الكثيرون، لهذا السبب أو ذاك، بأن هناك تضاربا أو تناقضا بين مهنة الشرطة والكتابة. بالنسبة لي لا أجد أي تناقض أو تعارض بينهما. فأنا أقوم بفصل تام بين المهنة والكتابة. أكثر من ذلك فهما يتجاوران ويتحاوران بشكل عادي وبناء، دون أن يكون لأي طرف تأثير سلبي ما من أي نوع، كما قد يظن البعض. إن هذه المهنة التي أزاولها هي مورد رزقي، أما الكتابة فهي تمنحني إحساسا أكثر بالحياة، وتجعلني أبلغ نوعا من التوازن في علاقتي بالوجود. أحب دائما أن أتحدث عن علاقة الكتابة بالمهنة بالنظر إلى مهنتي باعتبارها مثل أي مهنة أخرى ووظيفة مثل أي وظيفة أخرى، لها إكراهات خاصة تتمثل أساسا في مسألة الوقت. فأي وظيفة تستهلك الكثير من الوقت وبالتالي يجد الكاتب نفسه مضطرا إلى أن يكتب في أوقات الراحة؛ الوقت الذي من المفروض أن يستريح فيه من عناء وإرهاق الوظيفة, وما يترتب عن ذلك، بالنسبة لي، أني أضطر للتضحية بأمور أخرى. فقد لا أكون اجتماعيا كما ينبغي مثل الآخرين, وأكتفي بعلاقات ضيقة ومحدودة، و أحرم نفسي من بعض المتع التي يستمتع بها الآخرون كي أكتب. و معلوم أن العزلة ضريبة لا بد منها لمن أراد أن يكتب. كما أن الكتابة ، من جهة ثانية، هي كذلك تكافئني وتعطيني بسخاء.
الجانب الثاني في علاقة الكتابة بالمهنة، هو أن الكتابة والقراءة تعمقان لدى الكاتب إحساسا قويا جدا بالحرية، في حين أن الوظيفة كيفما كان نوعها، فهي تجعلك تحس بنوع من القيد ونوع من الانضباط القسري, وهذا إكراه تشترك فيه مهنتي مع جميع المهن والوظائف الأخرى.
عموما أقول بأن طبيعة وظيفتي في حد ذاتها لا تؤثر بالضرورة سلبا على علاقتي بالكتابة، وإن كنت أتمنى مثل أي كاتب يكسب رزقه من وظيفة ما، أن أحظى بوقت أكثر وشروط أفضل لمواصلة الكتابة.
v س: الأستاذ لحسن باكور في اعتقادي أن لكل إنسان في هذه الحياة، وليس الكاتب أو المبدع لوحده، رسالة في هذا الوجود, ما هي رسالة المبدع لحسن باكور من خلال إبداعاته وكتاباته؟
v ج: لا أريد أن أكون مدعيا وأقول بأنه لدي رسالة كبرى لكن أنا أتفق معك، وشخصيا لا أتصور أي كتابة أو إبداع حقيقيين لا تكمن خلفهما رسالة ما.
فالمهمة الحقيقة للكاتب أو المبدع هو أن يكون له رسالة, ما يريد أن يبلغه للآخرين بطريقته الخاصة, لا ننسى إن الكاتب يكتب بالدرجة الأولى إبداعا له مجموعة من الشروط والخصائص الفنية لكن الرسالة دائما تكون ثاوية خلف ما يكتبه الكاتب بشكل عام, الكتابة بدون رسالة لا أعتقد أنها كتابة, فمن يكتب أو يبدع استنادا لتلك المقولة القديمة المتداولة "الفن من أجل الفن" فأنا في نطري ربما من الأفضل أن يبحث عن شيء آخر. فما يمنح الكتابة عمقها الحقيقي وما يجعلها جديرة بالبقاء والاستمرارية والتأثير هو أن يكون هناك قضية ما , خلف هذه الكتابة. وقضيتي هي قضية الإنسان، في مكابداته لظروف وإكراهات الحياة، وإن أردت أن أدقق بنوع ما فإني سأقول بأن قضيتي الأساسية في كتاباتي كلها هي قضية هوية. فالكتابة بالنسبة لي دعوة غير مباشرة من خلال النصوص الإبداعية إلى الاهتمام أكثر بهذه التغيرات المتلاحقة والخطيرة والمهمة التي تطال مختلف أشكال هويتنا الثقافية؛ أقول الثقافية باعتبارها شاملة تشمل مختلف أشكال ومظاهر الهوية المغربية العربية الإسلامية.
لست أدري إلى أي مدى تحدثت عن ذلك في كتاباتي، لكن ما يصلني من أصداء وآراء وتعليقات القراء وبعض الأصدقاء يصب، في جانب منه، في هذا الاتجاه ويؤكد هذه المسألة.
v س: أستاذ لحسن باكور نصل إلى مراكش التي ألهمت الكثير من المبدعين والفنانين والكتاب. أين تتموقع هذه المدينة الساحرة في إبداعات لحسن باكور؟
v ج: هذا سؤال مهم جدا، وأحب دائما أن يطرح علي في أي حوار, كما أعتبره أيضا من الأسئلة المستفزة والمحفزة، لأني أحس بأني مقصر مثلي مثل كتاب هذه المدينة الآخرين في حق هذه المدينة. مراكش مدينة البهجة كما يقال، مدينة ساحرة ذات زخم تاريخي وخلفية حضارية كبيرة. هذه المدينة الجديرة بكتابات ومتن روائي حقيقي لم يكتب بعد. الملاحظة المثيرة للاهتمام في هذا الشأن أنه لحد الآن غالبا أو دائما ما يتم الحديث عن مراكش أدبيا ارتباطا أو إحالة على مجموعة من الكتاب الغير مراكشيين أو غير العرب أكثر من ذلك, الذين استطاعوا أن يحتفوا بهذه المدينة أدبيا. أذكر هنا الكاتب العالمي الإسباني خوان غويتيسولو, الذي عشق هذه المدينة والذي يقيم بها لحد الآن مند سنوات طويلة ويفتخر ويعتبر نفسه ابن جامع الفناء, هذا الكاتب استطاع أن يتجاوز تلك الرؤية الفولكلورية أو السطحية للمدينة, وحاول أن ينفد إلى أعماقها وكتب عنها في مجموعة من نصوصه. كذلك لحد الآن لازال كلما تم الحديث عن مراكش أدبيا لازال يتبادر إلى الذهن كتاب كتب في الخمسينات من القرن الماضي للكاتب "إلياس كانيتي" أي رواية " أصوات مراكش ". لكن ما يثيرني شخصيا أننا نعيش في فترة تحولات مهمة في مدينة مراكش, تحولات ثقافية كبرى، وتغيرات على مختلف الأصعدة.. مما هو جدير بأن يوفر مادة لكتابة روائية. إلى حد الآن في حدود إطلاعي الذي يبقى إطلاعا قاصرا, ما أنجز في النصوص العربية هناك فقط الإشارات والمقاربات البسيطة لهذا الموضوع من خلال نصوص قصصية, كما يمكننا أن نلاحظ في تجربة القاص أبو يوسف طه، كذلك القاص أحمد طليمات وعبد اللطيف النيلة , محمد أملو, من خلال بعض النصوص القصصية القصيرة القليلة جدا, لكن أعتقد أن التحولات في هذه المدينة واتساعها الجغرافي وواجهتها الدولية بما لها وما عليها, التراكمات على مختلف الأصعدة في هذه المدينة، لربما يستدعي نوعا من المحاولة للاشتغال على فضاءات هذه المدينة روائيا. أنا الآن بصدد تهيئ مجموعة قصصية جديدة فيها اشتغال أكثر على فضاءات هذه المدينة، لكن حلمي الأكبر هو كتابة نص روائي عن هذه المدينة وأنا بصدد التفكير بهذا الموضوع. أتمنى أن يتاح لي الوقت والجهد والقدرة اللازمة لتحقيق هذا الحلم.
v س: هذا الحديث الأخير عن عمل روائي عن مراكش يدفعنا للحديث عن المشاريع المستقبلية التي يشتغل عليها لحسن باكور, أيضا الأجندة المستقبلية التي تنتظر تنفيذها سواء من حيث الإبداع أو المشاركة في جوائز أخرى أو ملتقيات أو شئ من هذا القبيل؟
v ج: أنا أؤمن بأن القادم هو الأجمل. أعتبر نفسي في البداية. ما حققته حتى الآن لن يجعلني أتراجع للوراء، بل بالعكس سيجعلني أحس بأنني في بداية الطريق الصحيح، في موقع الانطلاقة الصحيحة. وأحلامي قد كبرت وازدادت وأجمل كتاباتي هي التي لم أكتبها بعد. هناك مجموعة من المشاريع إضافة إلى الرواية الحلم التي تحدثت عنها سابقا, أنا أشتغل الآن على رواية أخرى سأضع اللمسات الأخيرة لها، كذلك أشتغل على مجموعة قصصية ثانية. أحس كما قلت بالتحفيز المعنوي الكبير الذي قدمته لي الجوائز والاحتفاء الذي لقيته في الفترة الماضية. أحس الآن أنه لدى القدرة أو الرغبة, رغبة قوية في الاستمرار والكتابة. وكما قلت بالنسبة لي أتمنى أن يكون الأجمل الذي هو القادم وأنا متفائل وأعتقد أن المستقبل لازال يخبئ لي الكثير وهذا ما آمله. وطدت نفسي أن أكون أكثر التزاما وأكثر انضباطا في الكتابة، وأتمنى أن أكون عند حسن ظن قرائي إن كان لي قراء مهما كانوا معدودين جدا.
v س: تحدثت عن الرسالة التي يمكن أن نضعها تحت عنوان "الرسالة الهوية", وهنا لا يمكن أن نغفل الحديث عن هوية تشكل جزءا أساسيا من شخصية الأستاذ لحسن باكور ألا وهي الهوية الأمازيغية, هل لنا أن نسمع شيئا من كلامك حول الهوية الأمازيغية؟
ج:هذا مكون أساسي من مكونات شخصيتي التي أعتز بها وأنا مسكون بالثقافة الأمازيغية، بحكاياتها وبموسيقاها وغناءها وشعرها وأحاول ما أمكن أن أوطد علاقتي بهذه المكون الأساسي، ولا يمكن أن أتحدث عن الموضوع دون أن نربطه بالسياق الذي نعيشه الآن من خلال خطاب صاحب الجلالة الذي دعا إلى دسترة اللغة الأمازيغية، وهذا شيء لا يمكن إلا أن نصفق له جميعا, فنحن نتفق جميعا المغاربة على أن الأمازيغية مكون أساسي من مكون الهوية المغربية، وتمنح المغربي غنى في هويته.
هذا المعطى حاضر بقوة في كتاباتي القادمة وقد حضر فعلا في روايتي الفائزة بجائزة دبي "شريط متعرج من الضوء", حضر بشكل لا واعي. هذا الحضور اللاواعي لهذا المكون في تلك الرواية دليل على كونه راسخا في داخلي. لكني أفكر الآن بأن أشتغل عليه بشكل أكثر وعيا وقصدية في المرحلة القادمة. سأحاول أن أجعل الاشتغال على هذا المكون اشتغالا تلقائيا باعتباره جزءا أساسيا ومكونا طبيعيا من مكونات هويتي الخاصة.
السؤال ما قبل الأخير: الأستاذ لحسن باكور, أنت مبدع شاب ورسمت مسارا رائعا إلى حد الساعة. المبدعون الشباب ينتظرون في الغالب النصائح من مبدعين كبار في السن، أو مبدعين ذوي تجربة. أود أن أسمع منك توجيهات للمبدعين الشباب، وأنت شاب استطعت أن تصنع لنفسك مسارا جيدا جدا, كيف لك أن تنصح الشاب المبدع أو تمده ببعض التوجيهات؟
_ج: ربما لست في موقع من يستطيع أن يسدي توجيهات أو نصائح للآخرين، لكن ما أستطيع قوله أنه على الكاتب أن يؤمن برسالته وبقدراته وأن يكتب بأكثر قدر من الصدق. الصدق مع الذات البداية الحقيقة لتحقيق مسار ناجح في الكتابة, والإيمان بقدرة الكلمة على التغيير. وكما قلت الإيمان بالقدرات الخاصة ثم الانضباط في الكتابة. وبطبيعة الحال لا يمكننا أن نتحدث عن الكتابة دون القراءة, فالكتابة في النهاية هي عبارة عن حوار مع ما يكتبه الآخرون, حوار مع نصوص غائبة, بعدما نقرؤها ونتمثلها تصبح جزءا منا, وتتحول إلى مادة خام للكتابة. كما قلت الإنصات للصوت الخاص والإيمان بالقدرة الخاصة والكتابة بصدق ثم الانفتاح على تجارب الآخرين. أنا لدي مبدأ في الكتابة: أؤمن دائما بأن الآخرين يكتبون أفضل مني, لماذا؟ هذا يجعلني أبحث عن نصوص الآخرين كي أقرأها سواء كانت نصوصا عربية أو انتمت إلى ثقافات أخرى. وهذا البحث يقودني إلى قراءة نصوص أجمل وأكثر رحابة وجودة والتحاور معها. وبالتالي أحاول أن أتطور و أتجاوز نفسي باستمرار.
أدعو الكتاب الشباب أيضا إلى الإنصات إلى نبض الواقع من حولهم، ومحاولة الاشتباك مع أسئلته وقضاياه، لأن ذلك كفيل بأن يمنح نصوصهم أبعادا أعمق، ويجنبهم السقوط في فخ الكتابة المغرقة في الشكلية والتمارين اللغوية. هذا لا ينفي حقهم في الابتكار وتجريب مختلف أشكال الكتابة، مهما بدت شاذة أو غير مستساغة من قبل ذائقة معينة، لكن دون تحول ذلك إلى غاية في حد ذاته، بل سبيل للبحث عن الصوت الخاص.
_س:الأستاذ لحسن باكور في الحقيقة أنا سعيد جدا بهذا اللقاء وكخلاصة وكلمة أخيرة لختم هذا الحوار..
_ج: أنا أسعد. كنت دائما ما أسعد بمثل هذه الالتفاتات التي فيها نوع من الاحتفاء الصادق بتجربتي المتواضعة, وأعود إلى مسألة التحفيز والتقدير الذي يحتاجه أو ينتظره أي كاتب مهما كانت تجربته ومهما كان مجال اشتغاله , فمثل هذا الحوار يجعلني أحس بأن هناك آخرين لديهم اهتمام بما أكتبه و أنه على الرغم من كل اختلالات وأعطاب مشهدنا الثقافي فإننا لا نكتب للفراغ. وهذا يضع الكاتب أيضا في موضع المسؤولية ويجعله يفكر في الكتابة بجدية والتزام أكبر سعيا إلى تحقيق الأفضل.
|
|