Adrem الإدارة'''''
الجنس : دولتي : المغرب المشآرڪآت : 6210 نقاطي : 23575 سٌّمعَتي : 8
| موضوع: تحرير التعليم العمومي هل بات هو الحل ؟ 15/1/2012, 00:24 | |
| تحرير التعليم العمومي هل بات هو الحل ؟ أصبح التعليم الخاص بالمغرب يكتسي أهمية كبرى في أجندة الدولة المغربية، حيث مكنته من امتيازات لا حصر لها، وحوافز مغرية، أشبه ما تكون بالمغازلة لاستقطاب وتقوية حضوره في المشهد التعليمي الوطني، فهل يمكن القول بأن سياسة الدولة تسير في المنحى الذي يجعل من قطاع التعليم حكرا على الخواص، بغية التخلص من الأعباء المادية والبشرية المكلفة، التي يغرقها فيها قطاع التعليم العمومي؟ أم أن ضعف المناهج والشروط التعليمية التي تطبع السير العام للقطاع الرسمي، تجعله فريسة قليلة الحيلة أمام المنافسة التي يحبو نحوها القطاع الخاص؟ أم أن حسابات الدولة في تقديرها للمستقبل التعليمي بالبلاد، يغلب عليه التفكير في انتفاخ النفقات المخصصة للتعليم من الميزانية العامة، مما يجعلها ترجح كفة تحرير القطاع عن كفة مستقبل الفئات الشعبية المقهورة التي لا بديل لها عن التعليم العمومي، خاصة وأن قدرتها الشرائية مضروبة للغاية، إضافة إلى أن التعليم العمومي يبقى مكسبا وطنيا لا تجب خوصصته. فهل ستراجع الدولة حساباتها فيما هي ذاهبة إليه من تفكير في تحرير القطاع، وتعمل على تطوير منتوجها التعليمي بما يضمن نجاعته، واحترامه للصفة الوطنية التي يحملها؟ أم تراها ستواصل خطواتهاعلى نفس النهج كعادتها في تجاهل الرغبات وانتظارات الشعب المغربي؟
رغم الانتقادات المرفوعة حول السياسة المتبعة في تدبير قطاع التعليم بالمغرب، وتحديدا في شقها الرامي إلى تحرير القطاع العمومي عبر فتح قنوات أمام القطاع الخاص للتوسع عبر تراب المملكة، إلا أن الحكومة لا تزال تواصل خطواتها على نهجها القديم. تم توقيع الاتفاق في الإطار لتأهيل قطاع التعليم الخاص بين الحكومة وممثلي المؤسسات الخاصة للتعليم والتكوين بهدف تأهيل القطاع وتسريع هيكلته والرفع من جاذبيته وجعله شريكا رئيسيا للدولة باستيعابه لـ 20 في المائة من مجموع التلاميذ والطلبة في أفق 2015، بما يعني أن الحكومة تطمع في أن يتحمل هذا القطاع مهمة استيعاب الخمس من النسبة الإجمالية للمتمدرسين بالمغرب، وتعمل جاهدة على توفير الظروف اللازمة وتقديم الحوافز المغرية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المؤهلة لتحقيق مطامعها المستقبلية، لدرجة دفعتها إلى تضمين الاتفاق الإطار، المبرم مع ممثلي المؤسسات الخاصة، إلى مجموعة من التحفيزات أبرزها الإعفاء من الرسوم الجمركية وضرائب الجماعات المحلية، كما التزمت الحكومة بتمكينهم من الاستفادة من صناديق إنعاش الاستثمار، كما يتيح ذات الاتفاق للمستثمرين في قطاع التربية والتكوين إمكانية الولوج إلى الأراضي العمومية المتوفرة والقابلة لإقامة مؤسسات خاصة للتعليم والتكوين بما في ذلك الأراضي التابعة للمنعشين والفاعلين العموميين. ويذكر أن في المغرب حاليا 6.8 مليون تلميذ 6 في المائة منهم يتلقون تعليمهم في المدارس الخاصة، مما دفع الدولة إلى العمل على تحسين تنظيم هذا القطاع وتطوير مهارات أطره، وذلك عبر تنظيم تدريبات خاصة لتكوين الطواقم الإدارية وأسرة التعليم في القطاع الخاص بما يمكنها من تنمية قدراتها المهنية وبما يضمن شروط جودة منتوجها. أفادت بعض الدراسات الميدانية بأن تعاطي الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام المغربي مع قطاع التعليم على أنه "يلتهم" نفقات مرتفعة من الميزانية العامة للدولة، أدى إلى إعادة النظر في مجانية التعليم، وهو ما بات يهدد بالفعل مستقبل الأجيال المقبلة من أبناء الطبقات الشعبية الكادحة المستفيدة من المجانية، إضافة إلى أن عدم تعميم التعليم والطابع غير الإجباري الذي يصبغه ـ حسب نفس الدراسات ـ يفسر البؤس الاجتماعي بمفهومه العريض، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام استفحال سرطان الخوصصة في شرايين التعليم بالمغرب، بدليل أن التعليم الجامعي أصبح اليوم محتكرا أكثر للنخبة، وتحول إلى آلة لإنتاج الطبقات المتحكمة في الثروة، فجامعة الأخوين بإفران تشغل مساحة أرضية تناهز 75 هكتارا من الأملاك العمومية، مفوتة للجامعة بالمجان، وتتلقى الجامعة سنويا دعما من الدولة يغطي نسبة 90% من نفقات تسييرها واستثماراتها، وتصل تكلفة التمدرس بها إلى أكثر من 110 آلاف درهم سنويا لكل طالب، فيما يصل عدد طلباتها إلى ما يفوق 1000 طالب، ومن المؤشرات التي تصب في نفس الاتجاه أن قطاع التعليم الخاص بالمغرب، خلال السنوات الأخيرة، عرف ارتفاعا كبيرا على مستوى اكتساحه للميدان، لأسباب متعددة ومختلفة أبرزها أن الدولة المغربية تدفع في اتجاه تشجيع القطاع الخاص للتخلص من بعض أعباء هذا القطاع الذي يعتبر بالنسبة لها مكلفا، ولذلك ترفع يدها عنه لصالح الخواص والمستثمرين، كما أن قطاع الخواص لقي إقبالا ملفتا من قبل العديد من الأسر ذات الدخل المتوسط، رغم أنه تعليم بكلفة ومصاريف، نظرا للاعتقاد السائد بجودة وتطور مناهجه وظروفه التعليمية، إضافة إلى كونه يستعمل اللغات الأجنبية (التي أضحت السر الكامن في الحكم على أي تعليم) وبالتالي فنتائجه مضمونة في آخر السنة، وهي المتطلبات أو الحوافز التي يضعها هذا القطاع أمام الأسر المغربية للتوافد عليه والتعاطي معه على أساسها. يبدو أن السياسات التعليمية التي تعاقبت على امتداد سنوات الاستقلال، قد دفعت بسلبياتها المتنامية، إلى وضع التعليم العمومي بالمغرب في عنق الزجاجة، حيث ظل القطاع طيلة الفترات السابقة حقل تجارب غير نافعة، حولته إلى حقل ألغام يصعب الخوض فيه دون أخذ الكثير من الحيطة والحذر، بحكم تفاقم مشاكله وتعدد الاختلالات العميقة التي استفحلت بجميع أركانه، فبالإضافة إلى انتشار المدارس والثانويات والجامعات الخاصة، والتي تقصدها الطبقات الميسورة من المجتمع المغربي، هناك تنامي حالات الإحالة المبكرة على التقاعد مما أفرغ قطاع التعليم العمومي من خيرة أطره، وأثر سلبا على المردودية فنتج عنه تراجع في نسبة النجاح وارتفاع في نسبة المغادرة بصفوف الأطفال والشباب بالمدارس الحكومية. وقد أجمع المتتبعون للمشهد التعليمي بالبلاد على أن أزمة التعليم بالمغرب هي مزدوجة، بل ومركبة، يختلط فيها البعد الكمي بصعوبة انتشار التمدرس، وبإشكالية العزوف والانقطاع في أوساط التلاميذ وتحديدا في البوادي والمناطق النائية، وخاصة بالنسبة للفتيات إضافة إلى البعد النوعي المرتبط بمحتوى التعليم وجودة المناهج ومدى انفتاح أساليبه اليبداغوجية على مستلزمات التعليم العصري الناجع الذي تتكامل فيه المعرفة النظرية والمعرفة التطبيقية في خط متواز وإيجابي. اشتغل قطاع التعليم الحر بالمغرب على امتداد مسافات من الزمن، دون أن يؤدي ضرائب للدولة، على خلفية الخطاب الملكي الذي أقر فيه الراحل محمد الخامس إعفاء القطاع من الضرائب، بل أبعد من ذلك قدم له منحة على أساس أنه قطاع يساهم في تخفيف العبء على الدولة والقطاع العام، واستمر العمل بهذه الخلفية إلى حدود سنة 1997، حيث أكدت حكومة اليوسفي أنها أعفت القطاع من الديون بالنسبة للضريبة على الأرباح، لكن بالنسبة للمستقبل فإنه سيتم إخضاعه للضريبة كباقي القطاعات الأخرى. بدا واضحا أمام الدولة المغربية أن القطاع الخاص في الآونة الأخيرة، يعاني من تعثرات مالية وإدارية صعبة قد لا تؤهله مستقبلا للمنافسة الحقيقة، وبالتالي للديمومة والاستمرار، الشيء الذي دفعها إلى فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية لولوج هذا القطاع وتسهيل مأموريتها في خلق أجواء جديدة للمنافسة التي من شأنها توسيع نسبة التمدرس بما يضمن تقليص أرقام المستفيدين من التعليم العمومي في أفق تحرير التعليم بالمغرب، وهو الفعل الذي لم يلق أي تجاوب مع الفاعلين بالقطاع، حيث اعتبروه شكلا من أشكال الهلوسة التي تملأ هامات بعض المسؤولين بهذا القطاع العمومي، خاصة وأن الأفواج الهائلة من الفقراء والكادحين تشكل نسبة كبيرة داخل المجتمع المغربي، بما يعني أن تحرير التعليم العمومي دعوة صريحة لتكريس الجهل والأمية. فيما ذهبت بعض التحليلات السياسية بهذا الخصوص إلى وصف دعوة الدولة لدعم الاستثمارات الأجنبية في القطاع الخاص، بالتملص من واجباتها تجاه وظائفها في تطوير المناهج التعليمية والرقي بها إلى المراتب التي تؤهل التعليم العمومي للاضطلاع بمهامه في تطوير أدوات اشتغاله بما يتناسب والثورة الرقمية التي اكتسحت العالم، بتقنياتها الجديدة، إضافة إلى أن الاستثمار الأجنبي من شأنه أن يبحث لنفسه عن أطر من داخل التعليم العمومي، وقد يتمكن بعروضه المغرية من إفراغ هذا الأخير من أطره البارزة ويجعل منه أشبه ما يكون بالفروع الخاوية على عروشها، وهو ما سينعكس سلبا على مردوديته وبالتالي على استمراره في الوجود، ثم هل ستتمكن الدولة بعد هيمنة القطاع الخاص بإلزامه التقيد بالمناهج التعليمية المعمول بها في البلاد؟ أم تراها ستطلق له العنان، ليلقن المغاربة وفق مناهج مستوردة على المقاسات التي لا تلائم حجمه؟ الوزراء الذين تعاقبوا على حقيبة التعليم بالمغرب، باعتمادهم أساليب الترقيع واجترار الحلول غير المجدية، وفقدانهم لأهلية التدبير الرشيد المبني على سياسة شاملة ومتكاملة وواضحة الأهداف والمقاصد، ساهموا بشكل كبير في توسيع هوة إصلاحه وتعميقها، فظلت الإصلاحات الموازية التي اعتمدوها مجرد منشطات سرعان ما يزول مفعولها ليتكرس الوضع المأساوي من جديد وتتفاقم المعضلة، بحيث انعكس الوضع المتردي على المستوى التعليمي للمتمدرسين وللخريجين وعلى الشواهد المغربية نفسها. كلها مؤشرات وضعت التعليم العمومي بالمغرب على كف عفريت، فلم تجد الحكومة بدا من التفكير في ابتكار بدائل تعفيها من وحل أخطائها التي أوصلت القطاع إلى عنق الزجاجة، فباتت تفكر في التحرير التدريجي للقطاع، ومن أهم سمات هذا التحرير غير المعلن التشجيعات المغرية التي باتت تضمنها الدولة للمستثمرين في قطاع التربية والتكوين وتمتيعهم بالإعفاءات من الضرائب وتمكينهم من مساحات أرضية لإقامة مؤسساتهم الخاصة وغيرها من الامتيازات التي تعلن بالواضح والمرموز هرولة الدولة المغربية في اتجاه تحرير التعليم العمومي بالبلاد.
|
|