الغالبية العظمى من رجال الأمن المغاربة قدموا إلى مهنة الشرطة من عالم الفقر و البؤس، و الصورة أعلاه لا شك أنها تذكر الكثيرين منا بطفولتهم البئيسة. قد يصبح هؤلاء الأطفال رجال أمن مثلنا، و قد يرحلون عن هذا العالم حتى قبل أن يعرفوا لماذا أتوا و لماذا رمى بهم القدر في بلاد تعج بكل أنواع المتناقضات. لكن الأكيد أننا و نحن ننظر لهؤلاء الأطفال و كذا لأطفالنا، نتساءل عن هذا المغرب الذي سنتركه لهم. فبعد أكثر من نصف قرن على رحيل المستعمر لم يتغير أي شيء. ربما اللباس، طريقة الكلام، كثرة البنايات و باقي المساحيق التي تعرفونها، لكن العقليات و هذا هو الأهم لم تتغير أبدا، بل ازدادت تخلفا و جهلا. لهذا حاولنا من خلال هذا الموقع أن نواجه بصراحة هذا الواقع و نبحث عن طريق تجنبنا و أبنائنا ضربات الوحوش التي لا ترحم، و لكن يظهر بأن محاولتنا هذه لم يكتب لها النجاح، فقررنا أن نضع نهاية له.
يؤسفنا إذن أن نعلن لجميع زوارنا الأوفياء، بأننا سنتوقف عن تحيين هذا الموقع ابتداء من تاريخ 31/12/2007 ، و ذلك لعدة أسباب منطقية. لقد سبق لنا أن أشرنا إلى احتمال وقوع هذا الأمر، لأننا كنا نعلم منذ بداية انطلاقه ، بأنه يتعين علينا مواجهة العديد من العراقيل، لعل أهمها هو كسب ثقة زملائنا و حتى ثقة المواطنين. فمع أننا وضعنا مدونة لتدوين شهادات و آراء رجال الأمن و حتى المواطنين، إلا أن عدد الزوار لم يتجاوز ستة آلاف زائر، كما أن المشاركات بقيت جد ضعيفة و محدودة، الشيء الذي دفعنا لطرح عدة تساؤلات حول جدوى الاستمرار بدون مساندة قوية.
إذا كانت نوايانا دائما حسنة، في محاولة أخيرة منا للفت الانتباه، تجاه الانحرافات و التجاوزات التي تحدث بدون مبرر معقول، إلا أن الذين يعتقدون بأنهم أقوياء و من حقهم أن يتصرفوا كما يحلو لهم، لا يستطيعون من جهتهم التخلي بسهولة عن أنانيتهم و غرورهم، حتى لو كانوا في ذلك متيقنين بأنهم يظلمون البسطاء، و من ضمنهم غالبية رجال الأمن، الذين لا يملكون سوى أجرتهم الهزيلة، لمواجهة ارتفاع الأسعار و تكاليف تمدرس الأبناء و بعض المناسبات، كاقتناء أضحية العيد التي أصبحت تساوي في السنوات الأخيرة أجرة رجلي أمن.
إن الذين يتحدثون اليوم عن الأمن، لا يهمهم أمن المواطنين المستضعفين، لأن الحديث عن خطط أمنية لمواجهة الجريمة، ينحصر فقط في شيء واحد، و هو الحفاظ على مكتسباتهم و حماية ما راكموه من ثروات عن طريق وضع اليد على أموال الشعب، أي حقوق الفقراء المادية و المعنوية، أو عن طريق تقديم الحماية و الخدمات للصوص الدولة الذين يختبؤون وراء الملك و وراء نفاقهم الواضح تجاه الملكية، التي يستخدمونها في قضاء مصالحهم الخاصة. و لكم أن تتصوروا كيف أن الحارس الشخصي للملك، يخرج رأسه من نافذة السيارة و يسب و يشتم رجال الأمن و ينعتهم بأقبح الأوصاف أمام المارة، و هو يصيح فيهم كالمعتوه بأن يؤدوا التحية للملك و للسيارة الملكية، في تصرف فاضح يروم إخضاع رجال الأمن ليس للطاعة و الانضباط، كما هو متعارف عليهما، و لكن لمظاهر العبودية و الاستبداد. و كم من رجل أمن تعرض للعقاب، مع أنه أدى التحية و كأن الشرطي يأخذ أجرته فقط على أدائه التحية، و ليس لوقوفه الساعات الطوال في الشارع العام لتنظيم حركة المرور و مطاردة المشبوهين و المجرمين. ربما اختلط الأمر على ذلك الحارس فاعتقد بأن عبيد القصر و رجال الأمن الوطني سواء. و إذا كان المثل يقول ، قومني و حمكني ، فإن لدينا في هذه البلاد أشخاص يريدون فقط أن يحكموا و لا يريدون أن يمنحوا للناس حقوقهم أولا و مدهم بالوسائل اللازمة للقيام بعملهم على أحسن وجه ثانيا، و تفادي تأليه البشر ثالثا.
لقد كنا نعلم إذن و منذ البداية، بأنه لن يكون لنا أي حظ في الاستمرار، لافتقادنا لعدة وسائل تعتبر ضرورية لإنجاح أي مشروع، كيفما كان نوعه. هذا المشروع الذي كان بالنسبة لنا يتمثل في النقد الذاتي و محاولة العثور على حلول للمشاكل التي تعترض عملنا، مع فتح الباب للمواطنين لكي يواجهوا بأنفسهم الحقيقة. هذه الحقيقة التي ستجعلهم يكتشفون بأنهم مسؤولون عن التجاوزات التي يرتكبها رجال الأمن في بعض الأحيان، لأنهم يساهمون في إفسادهم عن طريق الرشوة التي يعتبرونها وسيلة تمكن من ربح قضية جارية أمام المحاكم، إخفاء فضيحة أو جريمة، تحقيق هدف معين، أو فقط التحايل على القانون و التهرب من أداء الواجبات التي يقرها .
لقد سعينا إلى أن تكون الصراحة هي الدواء الذي يجب أن نأخذه من أجل تحقيق الشفاء، الذي سيكون له الأثر الإيجابي على وضعية بلادنا و على روحنا الجماعية المريضة أصلا بسبب الخوف و الحقد و الكذب و النفاق و الشك.
إنه بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نتقدم و نسير إلى الأمام، و لكن غالبية الناس لا يخجلون من استعمال كل الوسائل، مهما كان نوعها، للارتقاء في المجتمع ليصبحوا محترمين، في الوقت الذي ليسوا فيه سوى فاسدين و حقيرين، يبحثون فقط على الربح و الحياة السهلة، ما يجعل منهم مجرد بهائم، لا يمكن أن تحس بآلام المستضعفين الذين يعانون من الفقر و يتخبطون في البؤس. هؤلاء المستضعفين الذين ليسوا فقراء حقا، لأنهم يعيشون في بلادهم التي تتوفر على العديد من الثروات، التي يتم استغلالها، كما نعلم جميعا، من طرف مصاصي الدماء و فراعنة هذا العصر.
و هكذا، فإن أي شرطي منحدر من وسط فقير، يمكنه و لأول مرة، بمناسبة أداء عمله، في حراسة علبة ليلية أو فيلا في ملك من يسمونهم علية القوم، أن يجد نفسه وجها لوجه مع الحقيقة، التي تفيده بأن مراهقا يبذر ما يساوي أجرة الشرطي الشهرية في ليلة واحدة. الشرطي الذي يسهر على أمن و ممتلكات الناس، الجملة السحرية، التي يعلمونها لنا منذ أول يوم من فترة التدريب الأساسي، في حين أن الأمن الذي يقصدونه هو حماية الممتلكات و الأشخاص الأنانيين الذين لم يعد لهم أية صلة بالواقع الكوني. هذا يجعل من الشرطي طبعا، مجرد كلب حراسة، في خدمة أفراد طبقة اجتماعية يتوفرون على دبلومات في جميع فروع الجريمة، التي تبتدأ بالاتجار في المخدرات، النصب و الاحتيال و تحويل و اختلاس الأموال العمومية، ثم انتهاء بالقوادة و الاتجار في البشر.
عندما تفجرت قضية الشواذ بمدينة القصر الكبير، قام المسؤول الأمني المحلي بإعطاء تصريحات لجريدة المساء، مفادها أن الأمن بالنسبة إليه يتمثل في أن يعود مواطن إلى بيته في منتصف الليل دون أية مشاكل، أو أن يتوجه إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، دون أن يعترض سبيله مجرم. هذا مفهوم مضحك للأمن، لأن المجرمين يفضلون اقتراف أعمالهم الإجرامية في واضحة النهار، مفضلين الأماكن المزدحمة، أو التي تتوفر على ممرات تمكن من الفرار. أما خلال الليل، فإن السكارى و بائعات الهوى، وحدهم يمكن أن يشكلوا أهدافا للمنحرفين. و لو صدقنا هذا المفهوم الأمني البليد، فمن سيوفر أمن أموال الشعب، و أمن أخلاقه و أمن معتقده و أمن الأطفال، رجال و نساء الغد، و أمن المجتمع بصفة عامة؟.
لنعتبر أن مواطنا عاد إلى بيته سالما دون أن يعترض سبيله أي مجرم، لكن ماذا سيكون عليه الأمر، لو أنه في الصباح وجد نفسه أمام ضابط شرطة من أجل قضية ما، وطلب منه هذا الأخير مبلغا ماليا إذا أراد أن تمر الأمور بشكل جيد عندما تصبح أمام أنظار القضاء. أي أمن سيحس به هذا المواطن الذي يتعرض للابتزاز؟. و عند عودته إلى بيته، سيصفر عليه شرطي المرور، ليخبره بأنه لم يحترم إشارة الضوء الأحمر، الشيء الذي ليس صحيحا، ثم يخيره بين سحب رخصة السياقة أو أداء نصف الذعيرة فقط. ألا يشبه هذا الوضع نفس ما يقوم به مجرم، يخير ضحيته بين إفراغ جيوبه أو الحصول على توقيع يطبعه على خده ليلازمه مدى الحياة؟. ماذا بإمكاننا أن نقوله؟. هناك مسؤولون لديهم تصوراتهم و آرائهم الخاصة، فيما يتعلق بأمن المواطنين، حتى لا نتحدث عن أمن الوطن، لأن هذا يشكل موضوعا آخر.
إذن نهاية سنة 2007 ستصادف نهاية هذا الموقع الذي يحتوي على مقالات، تشرح بشكل واضح حقيقة الشرطة المغربية. كل واحد يمكنه أن يرى نفسه في موضوع من تلك المواضيع. لقد جئنا بسرعة، و سنرحل بنفس الطريقة، و لكن تأكدوا بأنه من الأحسن في بعض الأحيان عدم التدخل في أفكار و توجهات الناس، حتى يمكن لكل واحد أن يختار طريقه بنفسه، لأن هذا هو ما يسمى القدر.
فكما لاحظتم، فإن الموقع يحتوي على مقالات تناقش مواضيع مختلفة، كان يجب أن تدفع المسؤولين للتفكير أو على الأقل إصلاح ما يمكن إصلاحه. لكن ما لاحظناه هو أنهم بقوا متجمدين كقطع الرخام، متعالين و غير آبهين كما هو شأنهم دائما، و قد عاينا هذا بأنفسنا. لن تستقيم الأمور بهذه الطريقة أبدا، و هذا الأمر لن يساهم في فسح الطريق أمام تحسين وضعية، قاربت أن تلامس الخطوط المحرجة.
كما أعلنا سابقا، فإن هذا الموقع لن يتم تحيينه، و لكن مع ذلك سيبقى على شبكة الإنترنت. في هذا البحر المعلوماتي الواسع الذي لا شواطئ له و لا حدود، قد يتمكن مبحر على الشبكة من العثور عليه صدفة ، كما لو أن الأمر يتعلق بقنينة تحتوي على رسالة. و سيتمكن إذن من تصفح هذا الكتاب الأبيض الذي يسطر محطات من تاريخ رجال أمن مغاربة، من حيث أحوالهم المعيشية، المهنية، تطلعاتهم و آرائهم. هذا ربما سيساهم في إعطاء صورة واقعية عن الشرطة المغربية، التي لا ينظر إليها بنظرة حسنة، و هي نفس النظرة التي ينظر بها لهذا الجهاز في كل بقاع المعمور.
إن ثقتنا في الله كبيرة، لأنه هو وحده سيكافؤنا تبعا لما نستحقه و تبعا لنوايانا. فالذين يبحثون عن السلطة و الجاه و المال، الذي يأخذونه من حق الفقراء و البسطاء، ليكدسوه معتقدين أنه سيحميهم من مفاجآت الحياة، سنتركهم يفعلون ما يشاؤون لأنهم لا يستحون، كما سندعهم يتخبطون في أمراضهم النفسية و العقلية، لأنهم لا يعلمون.
أما فيما يخصنا، فقد تمكنا على الرغم من عدم توفرنا على الإمكانيات المادية اللازمة، من إطلاق هذا الموقع الذي أثار انتباه الكثير من الزملاء، على الرغم من الخوف و انعدام الثقة. و لو كان لدينا الإمكانيات اللازمة لكنا قمنا بعمل أحسن. هذا دليل أيضا نقدمه لكل مواطن مغربي، ينظر نظرة سيئة لرجال الأمن، ليعرف بأن الشرطة المغربية تضم في صفوفها عناصر لا يخافون من الجهر بالحقيقة، و دعوة كل المواطنين ليفكروا بطريقة أخرى في الأمن الحقيقي الذي ينشدونه و ما هي السبل لتحقيقه.
يقول المثل بأن الذئاب لا تأكل بعضها، و لهذا السبب فإن أغلب رجال الأمن الذين زاروا هذا الموقع و لاحظوا بأنه يتطرق أيضا للتصرفات الخبيثة الصادرة عن رجال أمن فاسدين، غادروا بسرعة لأنهم لم يستطيعوا مواجهة الواقع و التطلع إلى وجوههم الحقيقية في هذه المرآة. نفس الشيء بالنسبة لعدد من المواطنين الذين يفسدون رجال الأمن و باقي موظفي الدولة، بما يقدمونه لهم من رشاوي و إكراميات. إنهم أيضا مذنبون و لا عذر لهم فيما يقترفونه من أعمال تمس بمصداقية الدولة و هيبتها.
سفرنا القصير يوشك أن ينتهي، و نود قبل أن نغادركم، أن نترك بين أيديكم فرصة التفكر في كل ما تطرقا له من مواضيع من أجل استخلاص الدروس بشكل واقعي و منطقي. نحن لم نأتي لكي نهدم و لكن من أجل أن نبني. خطابنا كان دائما واضحا، و هو خطاب يعكس تطلعات و أحاسيس غالبية رجال الأمن المغاربة الملتزمين، الشجعان، الذين يشرفون المهنة التي يزاولونها، محاولين قدر الإمكان التكيف مع متطلباتها و تناقضاتها.
قبل النهاية نريد أن نشد بحرارة على يد كل زملائنا، و كذا المواطنين الذين وثقوا فينا، و لم يبخلوا علينا برسائلهم و مشاركاتهم التي عبروا من خلالها بكل حرية و صدق، في مناسبة فريدة للتخلص من الأحزان و الآلام التي تنغص عليهم حياتهم في صمت. كما نشكر أيضا بعض الصحفيين الذين تابعوا تطور هذا الموقع، و الذين قاموا بعمل جيد من أجل مساندة رجال الأمن في قضاياهم العادلة، و الذين هم مدعوون الآن لاستخلاص الدروس. أما الذين تهجموا علينا، أو هددونا و حاولوا النيل من رسالتنا، فيمكنهم الآن أن يرتاحوا لأنهم لن يجدوا بعد هذا من يوجهوا إليه سهامهم المسمومة.
الله وحده يعلم كم نحب بلادنا، و كم كان بودنا أن نرى المجتمع الذي نعيش فيه صالحا يسير بخطى ثابتة إلى الأمام، مستخدما عقول شبان و شابات المغرب، و ليس مؤخراتهم كما يريد من يسمون أنفسهم حداثيين و متنورين، و ما هم في الحقيقة سوى مخربين تنخر أنفسهم العقد و الأمراض.
لا يمكننا أن نذهب أبعد من هذا، لأننا لا نتوفر على ما تتوفر عليه الشركات الإعلامية التي تسخر أبواقها للتأثير في توجهات و أفكار الناس، لإرغامهم على الركوع للمتألهين الجدد أسياد الأسواق و منظرو دين الاستهلاك الجديد. هذا الاستهلاك الذي لا يعتبر فقط وراء العديد من المشاكل، و لكن أيضا وراء ارتكاب الكثير من الجرائم.
كلمتنا الأخيرة ستكون من أجل مصمم الموقع الذي سهر على انطلاقته و تحيينه بصفة مستمرة، على الرغم من كل الصعوبات. لقد تعرفنا عليه من خلال إحدى المنتديات العربية، حيث عرض علينا فكرة تصميم موقع خاص برجال الأمن المغاربة، و أكد لنا بأنه مستعد للسهر على تنفيذ هذا المشروع. إنه رجل أمن مغربي نفتخر به كثيرا، لأنه لم يتخلى عنا أبدا، و كان دائما يقوم بوضع المقالات و المواضيع التي نبعث له بها على الخط. و سيبقى عمله هذا مسجلا في تاريخ الشرطة المغربية، لأن الإدارة العامة للأمن الوطني، على الرغم من الإمكانيات التي تتوفر عليها، لم تتمكن من تصميم موقع رسمي، حتى في عهد الجنرال لعنيكري، الذي راهن على وسائل الإعلام لكي يسوق صورة جديدة عن الشرطة المغربية. و لكن حتى لو حصل هذا الأمر، فإن موقعا رسميا لإدارة الأمن لم يكن أبدا ليناقش مختلف المواضيع بنفس الصدق و الشفافية، كما هو الشأن على موقعنا، الذي سيتحول لكتاب مفتوح و مرجع لكل من يود القيام بدراسة واقعية حول رجال الأمن المغاربة و حول الشرطة المغربية بصفة عامة.
الغالبية العظمى من رجال الأمن المغاربة قدموا إلى مهنة الشرطة من عالم الفقر و البؤس، و الصورة أعلاه لا شك أنها تذكر الكثيرين منا بطفولتهم البئيسة. قد يصبح هؤلاء الأطفال رجال أمن مثلنا، و قد يرحلون عن هذا العالم حتى قبل أن يعرفوا لماذا أتوا و لماذا رمى بهم القدر في بلاد تعج بكل أنواع المتناقضات. لكن الأكيد أننا و نحن ننظر لهؤلاء الأطفال و كذا لأطفالنا، نتساءل عن هذا المغرب الذي سنتركه لهم. فبعد أكثر من نصف قرن على رحيل المستعمر لم يتغير أي شيء. ربما اللباس، طريقة الكلام، كثرة البنايات و باقي المساحيق التي تعرفونها، لكن العقليات و هذا هو الأهم لم تتغير أبدا، بل ازدادت تخلفا و جهلا. لهذا حاولنا من خلال هذا الموقع أن نواجه بصراحة هذا الواقع و نبحث عن طريق تجنبنا و أبنائنا ضربات الوحوش التي لا ترحم، و لكن يظهر بأن محاولتنا هذه لم يكتب لها النجاح، فقررنا أن نضع نهاية له.
يؤسفنا إذن أن نعلن لجميع زوارنا الأوفياء، بأننا سنتوقف عن تحيين هذا الموقع ابتداء من تاريخ 31/12/2007 ، و ذلك لعدة أسباب منطقية. لقد سبق لنا أن أشرنا إلى احتمال وقوع هذا الأمر، لأننا كنا نعلم منذ بداية انطلاقه ، بأنه يتعين علينا مواجهة العديد من العراقيل، لعل أهمها هو كسب ثقة زملائنا و حتى ثقة المواطنين. فمع أننا وضعنا مدونة لتدوين شهادات و آراء رجال الأمن و حتى المواطنين، إلا أن عدد الزوار لم يتجاوز ستة آلاف زائر، كما أن المشاركات بقيت جد ضعيفة و محدودة، الشيء الذي دفعنا لطرح عدة تساؤلات حول جدوى الاستمرار بدون مساندة قوية.
إذا كانت نوايانا دائما حسنة، في محاولة أخيرة منا للفت الانتباه، تجاه الانحرافات و التجاوزات التي تحدث بدون مبرر معقول، إلا أن الذين يعتقدون بأنهم أقوياء و من حقهم أن يتصرفوا كما يحلو لهم، لا يستطيعون من جهتهم التخلي بسهولة عن أنانيتهم و غرورهم، حتى لو كانوا في ذلك متيقنين بأنهم يظلمون البسطاء، و من ضمنهم غالبية رجال الأمن، الذين لا يملكون سوى أجرتهم الهزيلة، لمواجهة ارتفاع الأسعار و تكاليف تمدرس الأبناء و بعض المناسبات، كاقتناء أضحية العيد التي أصبحت تساوي في السنوات الأخيرة أجرة رجلي أمن.
إن الذين يتحدثون اليوم عن الأمن، لا يهمهم أمن المواطنين المستضعفين، لأن الحديث عن خطط أمنية لمواجهة الجريمة، ينحصر فقط في شيء واحد، و هو الحفاظ على مكتسباتهم و حماية ما راكموه من ثروات عن طريق وضع اليد على أموال الشعب، أي حقوق الفقراء المادية و المعنوية، أو عن طريق تقديم الحماية و الخدمات للصوص الدولة الذين يختبؤون وراء الملك و وراء نفاقهم الواضح تجاه الملكية، التي يستخدمونها في قضاء مصالحهم الخاصة. و لكم أن تتصوروا كيف أن الحارس الشخصي للملك، يخرج رأسه من نافذة السيارة و يسب و يشتم رجال الأمن و ينعتهم بأقبح الأوصاف أمام المارة، و هو يصيح فيهم كالمعتوه بأن يؤدوا التحية للملك و للسيارة الملكية، في تصرف فاضح يروم إخضاع رجال الأمن ليس للطاعة و الانضباط، كما هو متعارف عليهما، و لكن لمظاهر العبودية و الاستبداد. و كم من رجل أمن تعرض للعقاب، مع أنه أدى التحية و كأن الشرطي يأخذ أجرته فقط على أدائه التحية، و ليس لوقوفه الساعات الطوال في الشارع العام لتنظيم حركة المرور و مطاردة المشبوهين و المجرمين. ربما اختلط الأمر على ذلك الحارس فاعتقد بأن عبيد القصر و رجال الأمن الوطني سواء. و إذا كان المثل يقول ، قومني و حمكني ، فإن لدينا في هذه البلاد أشخاص يريدون فقط أن يحكموا و لا يريدون أن يمنحوا للناس حقوقهم أولا و مدهم بالوسائل اللازمة للقيام بعملهم على أحسن وجه ثانيا، و تفادي تأليه البشر ثالثا.
لقد كنا نعلم إذن و منذ البداية، بأنه لن يكون لنا أي حظ في الاستمرار، لافتقادنا لعدة وسائل تعتبر ضرورية لإنجاح أي مشروع، كيفما كان نوعه. هذا المشروع الذي كان بالنسبة لنا يتمثل في النقد الذاتي و محاولة العثور على حلول للمشاكل التي تعترض عملنا، مع فتح الباب للمواطنين لكي يواجهوا بأنفسهم الحقيقة. هذه الحقيقة التي ستجعلهم يكتشفون بأنهم مسؤولون عن التجاوزات التي يرتكبها رجال الأمن في بعض الأحيان، لأنهم يساهمون في إفسادهم عن طريق الرشوة التي يعتبرونها وسيلة تمكن من ربح قضية جارية أمام المحاكم، إخفاء فضيحة أو جريمة، تحقيق هدف معين، أو فقط التحايل على القانون و التهرب من أداء الواجبات التي يقرها .
لقد سعينا إلى أن تكون الصراحة هي الدواء الذي يجب أن نأخذه من أجل تحقيق الشفاء، الذي سيكون له الأثر الإيجابي على وضعية بلادنا و على روحنا الجماعية المريضة أصلا بسبب الخوف و الحقد و الكذب و النفاق و الشك.
إنه بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نتقدم و نسير إلى الأمام، و لكن غالبية الناس لا يخجلون من استعمال كل الوسائل، مهما كان نوعها، للارتقاء في المجتمع ليصبحوا محترمين، في الوقت الذي ليسوا فيه سوى فاسدين و حقيرين، يبحثون فقط على الربح و الحياة السهلة، ما يجعل منهم مجرد بهائم، لا يمكن أن تحس بآلام المستضعفين الذين يعانون من الفقر و يتخبطون في البؤس. هؤلاء المستضعفين الذين ليسوا فقراء حقا، لأنهم يعيشون في بلادهم التي تتوفر على العديد من الثروات، التي يتم استغلالها، كما نعلم جميعا، من طرف مصاصي الدماء و فراعنة هذا العصر.
و هكذا، فإن أي شرطي منحدر من وسط فقير، يمكنه و لأول مرة، بمناسبة أداء عمله، في حراسة علبة ليلية أو فيلا في ملك من يسمونهم علية القوم، أن يجد نفسه وجها لوجه مع الحقيقة، التي تفيده بأن مراهقا يبذر ما يساوي أجرة الشرطي الشهرية في ليلة واحدة. الشرطي الذي يسهر على أمن و ممتلكات الناس، الجملة السحرية، التي يعلمونها لنا منذ أول يوم من فترة التدريب الأساسي، في حين أن الأمن الذي يقصدونه هو حماية الممتلكات و الأشخاص الأنانيين الذين لم يعد لهم أية صلة بالواقع الكوني. هذا يجعل من الشرطي طبعا، مجرد كلب حراسة، في خدمة أفراد طبقة اجتماعية يتوفرون على دبلومات في جميع فروع الجريمة، التي تبتدأ بالاتجار في المخدرات، النصب و الاحتيال و تحويل و اختلاس الأموال العمومية، ثم انتهاء بالقوادة و الاتجار في البشر.
عندما تفجرت قضية الشواذ بمدينة القصر الكبير، قام المسؤول الأمني المحلي بإعطاء تصريحات لجريدة المساء، مفادها أن الأمن بالنسبة إليه يتمثل في أن يعود مواطن إلى بيته في منتصف الليل دون أية مشاكل، أو أن يتوجه إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، دون أن يعترض سبيله مجرم. هذا مفهوم مضحك للأمن، لأن المجرمين يفضلون اقتراف أعمالهم الإجرامية في واضحة النهار، مفضلين الأماكن المزدحمة، أو التي تتوفر على ممرات تمكن من الفرار. أما خلال الليل، فإن السكارى و بائعات الهوى، وحدهم يمكن أن يشكلوا أهدافا للمنحرفين. و لو صدقنا هذا المفهوم الأمني البليد، فمن سيوفر أمن أموال الشعب، و أمن أخلاقه و أمن معتقده و أمن الأطفال، رجال و نساء الغد، و أمن المجتمع بصفة عامة؟.
لنعتبر أن مواطنا عاد إلى بيته سالما دون أن يعترض سبيله أي مجرم، لكن ماذا سيكون عليه الأمر، لو أنه في الصباح وجد نفسه أمام ضابط شرطة من أجل قضية ما، وطلب منه هذا الأخير مبلغا ماليا إذا أراد أن تمر الأمور بشكل جيد عندما تصبح أمام أنظار القضاء. أي أمن سيحس به هذا المواطن الذي يتعرض للابتزاز؟. و عند عودته إلى بيته، سيصفر عليه شرطي المرور، ليخبره بأنه لم يحترم إشارة الضوء الأحمر، الشيء الذي ليس صحيحا، ثم يخيره بين سحب رخصة السياقة أو أداء نصف الذعيرة فقط. ألا يشبه هذا الوضع نفس ما يقوم به مجرم، يخير ضحيته بين إفراغ جيوبه أو الحصول على توقيع يطبعه على خده ليلازمه مدى الحياة؟. ماذا بإمكاننا أن نقوله؟. هناك مسؤولون لديهم تصوراتهم و آرائهم الخاصة، فيما يتعلق بأمن المواطنين، حتى لا نتحدث عن أمن الوطن، لأن هذا يشكل موضوعا آخر.
إذن نهاية سنة 2007 ستصادف نهاية هذا الموقع الذي يحتوي على مقالات، تشرح بشكل واضح حقيقة الشرطة المغربية. كل واحد يمكنه أن يرى نفسه في موضوع من تلك المواضيع. لقد جئنا بسرعة، و سنرحل بنفس الطريقة، و لكن تأكدوا بأنه من الأحسن في بعض الأحيان عدم التدخل في أفكار و توجهات الناس، حتى يمكن لكل واحد أن يختار طريقه بنفسه، لأن هذا هو ما يسمى القدر.
فكما لاحظتم، فإن الموقع يحتوي على مقالات تناقش مواضيع مختلفة، كان يجب أن تدفع المسؤولين للتفكير أو على الأقل إصلاح ما يمكن إصلاحه. لكن ما لاحظناه هو أنهم بقوا متجمدين كقطع الرخام، متعالين و غير آبهين كما هو شأنهم دائما، و قد عاينا هذا بأنفسنا. لن تستقيم الأمور بهذه الطريقة أبدا، و هذا الأمر لن يساهم في فسح الطريق أمام تحسين وضعية، قاربت أن تلامس الخطوط المحرجة.
كما أعلنا سابقا، فإن هذا الموقع لن يتم تحيينه، و لكن مع ذلك سيبقى على شبكة الإنترنت. في هذا البحر المعلوماتي الواسع الذي لا شواطئ له و لا حدود، قد يتمكن مبحر على الشبكة من العثور عليه صدفة ، كما لو أن الأمر يتعلق بقنينة تحتوي على رسالة. و سيتمكن إذن من تصفح هذا الكتاب الأبيض الذي يسطر محطات من تاريخ رجال أمن مغاربة، من حيث أحوالهم المعيشية، المهنية، تطلعاتهم و آرائهم. هذا ربما سيساهم في إعطاء صورة واقعية عن الشرطة المغربية، التي لا ينظر إليها بنظرة حسنة، و هي نفس النظرة التي ينظر بها لهذا الجهاز في كل بقاع المعمور.
إن ثقتنا في الله كبيرة، لأنه هو وحده سيكافؤنا تبعا لما نستحقه و تبعا لنوايانا. فالذين يبحثون عن السلطة و الجاه و المال، الذي يأخذونه من حق الفقراء و البسطاء، ليكدسوه معتقدين أنه سيحميهم من مفاجآت الحياة، سنتركهم يفعلون ما يشاؤون لأنهم لا يستحون، كما سندعهم يتخبطون في أمراضهم النفسية و العقلية، لأنهم لا يعلمون.
أما فيما يخصنا، فقد تمكنا على الرغم من عدم توفرنا على الإمكانيات المادية اللازمة، من إطلاق هذا الموقع الذي أثار انتباه الكثير من الزملاء، على الرغم من الخوف و انعدام الثقة. و لو كان لدينا الإمكانيات اللازمة لكنا قمنا بعمل أحسن. هذا دليل أيضا نقدمه لكل مواطن مغربي، ينظر نظرة سيئة لرجال الأمن، ليعرف بأن الشرطة المغربية تضم في صفوفها عناصر لا يخافون من الجهر بالحقيقة، و دعوة كل المواطنين ليفكروا بطريقة أخرى في الأمن الحقيقي الذي ينشدونه و ما هي السبل لتحقيقه.
يقول المثل بأن الذئاب لا تأكل بعضها، و لهذا السبب فإن أغلب رجال الأمن الذين زاروا هذا الموقع و لاحظوا بأنه يتطرق أيضا للتصرفات الخبيثة الصادرة عن رجال أمن فاسدين، غادروا بسرعة لأنهم لم يستطيعوا مواجهة الواقع و التطلع إلى وجوههم الحقيقية في هذه المرآة. نفس الشيء بالنسبة لعدد من المواطنين الذين يفسدون رجال الأمن و باقي موظفي الدولة، بما يقدمونه لهم من رشاوي و إكراميات. إنهم أيضا مذنبون و لا عذر لهم فيما يقترفونه من أعمال تمس بمصداقية الدولة و هيبتها.
سفرنا القصير يوشك أن ينتهي، و نود قبل أن نغادركم، أن نترك بين أيديكم فرصة التفكر في كل ما تطرقا له من مواضيع من أجل استخلاص الدروس بشكل واقعي و منطقي. نحن لم نأتي لكي نهدم و لكن من أجل أن نبني. خطابنا كان دائما واضحا، و هو خطاب يعكس تطلعات و أحاسيس غالبية رجال الأمن المغاربة الملتزمين، الشجعان، الذين يشرفون المهنة التي يزاولونها، محاولين قدر الإمكان التكيف مع متطلباتها و تناقضاتها.
قبل النهاية نريد أن نشد بحرارة على يد كل زملائنا، و كذا المواطنين الذين وثقوا فينا، و لم يبخلوا علينا برسائلهم و مشاركاتهم التي عبروا من خلالها بكل حرية و صدق، في مناسبة فريدة للتخلص من الأحزان و الآلام التي تنغص عليهم حياتهم في صمت. كما نشكر أيضا بعض الصحفيين الذين تابعوا تطور هذا الموقع، و الذين قاموا بعمل جيد من أجل مساندة رجال الأمن في قضاياهم العادلة، و الذين هم مدعوون الآن لاستخلاص الدروس. أما الذين تهجموا علينا، أو هددونا و حاولوا النيل من رسالتنا، فيمكنهم الآن أن يرتاحوا لأنهم لن يجدوا بعد هذا من يوجهوا إليه سهامهم المسمومة.
الله وحده يعلم كم نحب بلادنا، و كم كان بودنا أن نرى المجتمع الذي نعيش فيه صالحا يسير بخطى ثابتة إلى الأمام، مستخدما عقول شبان و شابات المغرب، و ليس مؤخراتهم كما يريد من يسمون أنفسهم حداثيين و متنورين، و ما هم في الحقيقة سوى مخربين تنخر أنفسهم العقد و الأمراض.
لا يمكننا أن نذهب أبعد من هذا، لأننا لا نتوفر على ما تتوفر عليه الشركات الإعلامية التي تسخر أبواقها للتأثير في توجهات و أفكار الناس، لإرغامهم على الركوع للمتألهين الجدد أسياد الأسواق و منظرو دين الاستهلاك الجديد. هذا الاستهلاك الذي لا يعتبر فقط وراء العديد من المشاكل، و لكن أيضا وراء ارتكاب الكثير من الجرائم.
كلمتنا الأخيرة ستكون من أجل مصمم الموقع الذي سهر على انطلاقته و تحيينه بصفة مستمرة، على الرغم من كل الصعوبات. لقد تعرفنا عليه من خلال إحدى المنتديات العربية، حيث عرض علينا فكرة تصميم موقع خاص برجال الأمن المغاربة، و أكد لنا بأنه مستعد للسهر على تنفيذ هذا المشروع. إنه رجل أمن مغربي نفتخر به كثيرا، لأنه لم يتخلى عنا أبدا، و كان دائما يقوم بوضع المقالات و المواضيع التي نبعث له بها على الخط. و سيبقى عمله هذا مسجلا في تاريخ الشرطة المغربية، لأن الإدارة العامة للأمن الوطني، على الرغم من الإمكانيات التي تتوفر عليها، لم تتمكن من تصميم موقع رسمي، حتى في عهد الجنرال لعنيكري، الذي راهن على وسائل الإعلام لكي يسوق صورة جديدة عن الشرطة المغربية. و لكن حتى لو حصل هذا الأمر، فإن موقعا رسميا لإدارة الأمن لم يكن أبدا ليناقش مختلف المواضيع بنفس الصدق و الشفافية، كما هو الشأن على موقعنا، الذي سيتحول لكتاب مفتوح و مرجع لكل من يود القيام بدراسة واقعية حول رجال الأمن المغاربة و حول الشرطة المغربية بصفة عامة.