لم يكن بالأرض ضابط شرطة أو غيره ممن توكل إليه هاته المهمة وقتما قتل قابيل هابيل، ربما لأن العالم فى نشأته الأولى كان يسكنه بضعة أشخاص فقط.. وكلهم كانوا شهودا على الجريمة.. ولا يحتاجون إلى دليل.
والأدلة على الجرائم تتنوع، أقواها هو الاعتراف الذى يعد سيدا عليها جميعا.. لكن الاعتراف لم يعد متاحا فى عصرنا الحالى إلا فيما ندر، وبات ضروريا على رجال الأمن أداء أدوار محددة على مسرح الجريمة، وصولا إلى أدلة إدانة للجانى..
مسرح الجريمة يختلف كثيرا عن المسارح الأخرى، فالإبداع فيه يكون للمجرم، الذى يفكر ويخطط حتى لحظة ارتكاب الجريمة، وبعدها يغادر المسرح فورا مصحوبا بلعنات الضحية.. وفور اكتشاف الجريمة يعتلى المسرح آخرون مهمتهم الأسياسية تتبع الهارب وإعادته إلى المسرح ليعيد تمثيل دوره الذى لعبه سرا أمام كاميرا الشرطة .
ومع أداء الجانى لدوره فى الحالتين يلعب رجال الشرطة خاصة منها الشرطة القضائية و مسرح الجريمة أيضا أدوارا أخرى ويستعينون فيها بوسائل مساعدة لحبك القضية، واكتشاف الجانى من بين الملايين على مسرح الحياة.
ومثلما كان اكتشاف عدم تشابه بصمات الأصابع فى القرن الـ19 بمثابة ثورة علمية حتى أن الإنجليز استخدموا البصمات للتمييز بين العمال والمساجين فى المزارع الشاسعة بإقليم البنغال بالهند.. أصبحت تكنولوجيا الاتصالات تمثل الآن ثورة فى كل المجالات، خاصة فى عالم الجريمة وتتبع الجناة.
وقف ضباط الشرطة المكلفين بالبحث و التحري عاجزين لأيام طويلة فى كشف لغز مقتل سيدة تقيم بمفردها بمدينة دوسلدورف الالمانية ، فهى تستقبل فى بيتها عشرات الضيوف وكلهم غرباء عن المنطقة، كل الخطوات التى تعلموها فى البحث الجنائى وصلت إلى طريق مسدود، وأدت كل الطرق إلى العودة إلى النقطة صفر.. أحد الضباط علق عليه زملاؤه أملا كبيرا، فهو المسئول عن متابعة كل المتصلين بالقتيلة على جهاز هاتفها الأرضى، كل من اتصل بها تم استجوابه وثبت عدم تورطه فى القتل.. الضابط المتخصص فى تتبع اتصالات الضحية عاد ليلا إلى فريق البحث ومعه مفاجأة من مركز المدينة.. القتيلة تلقت اتصالا من رقم هاتفى قبل الجريمة بحوالى ساعة من مجهول، ولكن المشكلة أن الاتصال كان من مخدع هاتفي فى أحد الشوارع، وباستخدام في ذلك البطاقة المدفوعة الثمن مسبقا.
المؤشرات الأولية تقول أن صاحب الاتصال هو القاتل، ولكن كيف الوصول إليه؟
وهنا بدأ فريق البحث فى الاستعانة بصديق، اسمه تكنولوجيا الاتصالات، وتم استدعاء مهندس من الشركة المالكة للمخادع الهاتفية بالشوارع.. الطلب الوحيد لرجال الشرطة آنذاك هو هل نستطيع الوصول لتحديد شخصية المتصل، وقدم مهندس الاتصالات حلا عبقريا قاد الشرطة إلى القاتل.. المهندس قال إن كمبيوتر الشركة الذى يقوم بخصم ثمن المكالمة من رصيد البطاقة يمكنه تقديم كل المكالمات التى تمت من البطاقة ، وبالفعل حصلت الشرطة على عشرة أرقام.. قام المشتبه به بالاتصال بها من الكارت.. وموعد كل مكالمة.. وطبعا تم الوصول إلى الأشخاص العشرة وتم الكشف عن شخصية المشتبه به.. الذى استدعته الشرطة.. وسألته عن علاقته بالقتيلة.. وكانت المفاجأة هى اعترافه بالجريمة.. وقدم السلاح القاتل.. وطبعا لم يشمل محضر الشرطة كل التفاصيل لكنه حمل جملة واحدة.. «توصلت تحريات مصلحتنا إلى تحديد القاتل».
لن أبخل عليكم و لكم مني المزيد ....... كي نرقى بشرطتنا