1- أسباب الإفراغ التي ترجع لشخص المكتري :
أ - حالة إخلال المكتري بالتزام قانوني أو عقدي :
لقد طرحت أمام القضاء عدة دفوعات تتعلق بمدى اعتبار الحالات المنصوص عليها بالفصل 692 من ق ل ع تدخل ضمن السبب الخطير المنصوص عليه بالفصل 11 من ظهير 24-05-1955 أم لا أم أن للمكري الخيار بين سلوك المسطرة النصوص عليها ب ق ل ع أم مسطرة ظهير 24-05-1955؟ ولتقريب الصورة من الأذهان نورد نص الفصل 692 من ق ل ع الذي الذي جاء فيه " للمكري فسخ عقد الكراء مع حفظ حقه في التعويض إن اقتضى الأمر :
- إذا استعمل المكتري الشيء المكترى في غير ما اعد له بحسب طبيعته او بمقتضى الاتفاق.
- : إذا أهمل الشيء المكترى على نحو يسبب له ضررا كثيرا.
- : اذا لم يؤد الكراء الذي حل اجل ادائه".
في حين ينص الفصل 26 من ظهير 24-05-1955 على أن " كل بند يدرج في العقدة وينص على فسخها بموجب الحق إذا لم يؤد ثمن الكراء عند حلول التواريخ المتفق عليها لا يكون ساري المفعول الا بعد 15 يوما تمضي على تاريخ إنذار يوجه للمكتري ويبقى بدون جواب ... " .
و ينص الفصل 6 من ظهير 24-05-1955 على انه " لا ينتهي العمل بعقود كراء الأماكن الخاضعة لمقتضيات هذا الظهير إلا إذا وجه للمكتري طلب بالإفراغ قبل انقضاء العقدة بستة اشهر على الاقل وذلك دون التفات الى أي شرط تعاقدي مخالف لما ذكر وحيادا عن الفصول 687 و 688 و 689 من الظهير الشريف الصادر في 12 غشت 1913 المعتبر بمثابة قانون للالتزامات والعقود ".
فإذا قاربنا مقتضيات الفصول المذكورة فانه لا يمكن إيراد أي شرط بالعقد من شأنه أن يحرم المكتري من الضمانات المقررة بظهير 24-05-1955 وانه لا يمكن اعتبار حالات الفصل 692 من ق ل ع كحالات للإفراغ تدخل في نطاق البنذ الأول من الفصل 11 من ظهير الكراء التجاري على اعتبار أن نص الفصل 6 من الظهير لم تخصها بالذكر رغم إحالته على مقتضيات الفصول 687-688-689 من ق ل ع، كما أن حالة التماطل في أداء الكراء كسبب للإفراغ قد أوردها مشرع ظهير 24-05-1955 بشكل خاص و أحاطها بضمانات خاصة بالفصل 26 الذي قيد الإفراغ لهذا السبب بالنص على ذلك بالعقد، في حين أن الفصل 692 من ق ل ع جاء عاما، و انه لو كانت إرادة المشرع تتجه إلى اعتبار حالات الفصل 692 من ق ل ع تدخل ضمن نطاق البند الأول من الفصل 11 من الظهير لتمت الإحالة مباشرة على الفصل المذكور كما فعل ظهير 25-12-1980 المتعلق بالسكنى والاستعمال المهني في فصليه 9 و 12 بمقتضى تعديله بمقتضى قانون 99-64.
لكن قضاء الموضوع تضارب في أحكامه بهذا الشأن بتعليلات مختلفة، فقد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء عدد 1516 بتاريخ 08-10-1985 " من حيث انه من المقرر فقها وقضاءا جواز سلوك المكري دعوى فسخ عقد الإيجار الذي يربطه مع مكتري محل معد للتجارة طبقا للقواعد العامة دون سلوك مسطرة ظهير 24-05-1955 عند إخلال المكتري بالتزاماته العقدية أثناء سريان العقد. ومن حيث ان المجلس الاعلى أكد هذا المبدأ في عدة قرارات لا حاجة للتذكير بها" .
في حين ان المجلس الاعلى في وقت لاحق سار على العكس من ذلك إذ اعتبر أن ظهير 24-05-1955 هو الواجب التطبيق كلما تعلق الأمر بافراغ المحلات المعدة للاستعمال التجاري، فقد جاء في قرار له بغرفتين مجتمعتين بتاريخ 18-03-1992 " ان محكمة الموضوع التي ثبت لها أن محل النزاع معد للتجارة ورغم تمسك المكتري بأنه تشمله حماية ظهير 24-05-1955 أخضعت طلب انهاء عقد الكراء الرابط بين الطرفين للمقتضيات العامة موضوع الفصل 692 من ق ل ع بعلة أن للمكري الخيار في إتباع المسطرة المتعلقة بالفصل المذكور او مسطرة ظهير 24-05-1955 دون مراعاتها مقتضيات هذا الظهير الواجبة التطبيق باعتبار مسطرتها خاصة مقدمة في التطبيق على مسطرة المقتضيات العامة ومقيدة لها ولتعارضهما في المسطرة والنتائج، ولكون حالات الفصل 692 من ق ل ع الواردة بالمقتضيات العامة مندرجة في الفصل الحادي عشر من ظهير 24-05-1955 تكون قد خرقت مقتضيات الفصل السادس من الظهير المذكور وعرضت قرارها للنقض " وهو ما كرسه المجلس في قراره عدد 1026 بتاريخ 15-04-1992 بنفس التعليل، وقد استقر اجتهاد المجلس الأعلى في قراراته اللاحقة، لكن بعض قضاء الموضوع استمر في اعتماد حق المكري في الخيار بين المسطرتين ، وهو ما دفع المجلس الأعلى إلى إصدار توصية بموجب مجلس الرؤساء (مجموع رؤساء الغرف بالمجلس الأعلى) تكرس التوجه الحمائي للمحلات المعدة للتجارة والذي اوجب التقييد بقرار الغرفتين أعلاه .
هكذا يكون المشرع قد افرد مقتضى خاص لحالة السبب الخطير الموجب للإفراغ حسب البنذ الأول من الفصل 11 الذي ينص على انه يحق للمكري رفض تجديد العقد دون الزامه بتعويض المكتري اذا اثبت ارتكاب المكتري سببا خطيرا ومشروعا، وهي صياغة فضفاضة وغير دقيقة باعتبار الترجمة غير السليمة لنص الظهير فكيف يكون السبب خطيرا ومشروعا في نفس الوقت، فالمفروض ان كون السبب الخطير غير مشروع لا مشروع، وعلى فرض ان نية المشرع اتجهت لهذا القصد الأخير فان أي فعل يعتبره المكري خطير في نظره قد يؤدي الى افراغ المكتري، وهي امكانية أتاحت لاصحاب المحلات فرصة إفراغ المكترين الذين قد يزيغون عن العمل التجاري الى العمل غير المشروع كالاتجار المخدرات بالمحل او إقلاق راحة الجيران باستعمال المحل للدعارة، اهمال العين المكراة ... الخ.
وقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية الى حد اعتبار ضرب او سب وشتم المكري سببا خطيرا يخول الافراغ.
كما ان القضاء المغربي اعتبر قيام المكتري بتغييرات بالمحل من غير اذن المكري سببا لإفراغه بدون تعويض اذا كانت تشكل سببا خطيرا ، لكنه تشدد في اعمال هذا المقتضى وربط ذلك بحصول ضرر معتبر للمكري كما لو قام المكتري بانجاز تغييرات في اسس المحل المكرى بشكل جوهري أدت الى تغيير معالم المحل كهدم الجدران واشراك المحلات فيما بينها بعد الاستعانة بخبرة لذوي الاختصاص، وهو ما اكده المجلس الاعلى الاعلى في قراره عدد 153 بتاريخ 04-02-2004 ملف عدد 300/2002 .
ب- حالة تولية الكراء للغير او التخلي عنه :
نص الفصل 22 من الظهير على إمكانية مطالبته المكري للمكتري بالإفراغ عند اخلال هذا الاخير بمقتضى قانوني يمنع تولية الكراء كما هو الشأن في ظهير 25-12-1980 المتعلق بالكراء السكني والمهني، وذلك ما لم يتم الاتفاق على غير ذلك او وافق المكري على التولية خلال 30 يوما من اعلامه من طرف المكتري برغبته في تولية الكراء برسالة مضمونة طبقا للفصول 37-38-39 من ق م م .
وبموافقة المكري على التولية يجب عليه الانضمام الى العقد الثاني المتعلق بالتولية وله الزام المكتري بتمكينه من مبلغ الزيادة في سومة الكراء اذا اكرى هذا الاخير المحل بسومة اكثر، واذا وافق المالك على مبدأ التولية وعارض في شروط العقد يتم رفع الامر الى رئيس المحكمة باعتباره قاضي الصلح للبت في الامر وفقا للفصل 30 من الظهير.
وقد نبه الاستاذ محمد الكشبور الى ضرورة التمييز بين التولية ( الكراء من تحت اليد) والذي اشار له الفصل 22 من الظهير والتخلي الذي تمت الاشارة اليه بالفصول 36-37-38 من الظهير ، ذلك ان التولية هو قيام المكتري الاصلي بكراء العين المكراة للمكتري الفرعي ليظهر عقد كراء فرعي ونكون بذلك امام ثلاثة اطراف مكري ومكتري اصلي ومكتري فرعي وان منع التولية يرمي اساسا الى حماية المكري، في حين ان التخلي هو تنازل المكتري الاصلي عن حقه - بمقتضى تصرف ناقل للملكية – وبالتالي خروجه من العلاقة الكرائية بصفة نهائية وحلول من تخلى له مكانه في هذه العلاقة الكرائية وهو يرمي الى حماية استمرار حياة الاصل التجاري وتداوله بما فيه الحق في الكراء الذي هو صلب هذه العملية ذلك ان المشرع منع أي شرط من شأنه التضييق على المكتري في ممارسة حقه في بيع الاصل التجاري بما فيه الحق في الكراء اذ نص في الفصل 37 من الظهير على انه " تكون باطلة ايضا كيفما كانت طبيعتها اذا كان المقصود منها منع المكتري المتوفرة فيه الشروط المأمور بها في الفصل الخامس اعلاه من التخلي عن عقد الكراء لمن اقتنى منه اسمه التجاري أو مؤسسته" وهو مقتضى من النظام العام يمنع على المكري تقييده ببنود العقد.
لكن وان كان المشرع يحمي حق مالك الحق في الكراء الذي هو مالك للاصل التجاري في التخلي عن هذا الحق للغير اعتبارا لمنطق تجاري اقتصادي بحث، فانه اخضع هذه العملية لتقنية قانونية تكتسي على بساطتها اثار قانونية هامة قلبت موقف القضاء على مستوى اعلى هيئة قضائية، تلك التقنية هي المنصوص عليها بالفصل 195 من ق ل ع المتعلقة بحوالة الحق، فالمكتري مالك الحق في الكراء اذا حول هذا الحق بالتخلي للغير، فان هذا الغير ملزم باعلام صاحب المحل المكرى (صاحب العقار) باعتبار انهما اصبحا طرفا العلاقة الكرائية دون المكتري الذي فوت الأصل التجاري بما في ذلك الحق في الكراء ، وعدم اعلامه يترتب عليه بالمنطق القانوني الصرف والمجرد اعتبار المحال له (مشتري الاصل التجاري) محتلا بدون سند وامكن افراغه بدون ضمانات وهو ما قرره ، في مرحلة اولى، قضاء الموضوع وقضاء المجلس الاعلى فقد جاء في قرار للمجلس الاعلى الصادر بتاريخ 14-11-1984 " ان التنازل عن الكراء ، حسبما يقضي به الفصل 673 من ق ل ع القواعد المقررة في حوالة الحقوق ، وانه طبقا للفصل 195 من نفس القانون فان الحق لا ينتقل للمحال له الا اذا تم تبليغ الحوالة الى هذا الاخير تبليغا رسميا او قبلها في محرر ثابت التاريخ ..."، لكنه مافتئ ان تم التراجع عن هذا الاتجاه لما له من آثار وخيمة على الملكية التجارية واستقر قضاء المجلس الاعلى على اعتبار انه وان كانت حوالة الحق لا تنفذ تجاه المحال عليه الا بعد اعلامه بها او قبوله لها فان المشرع لم يضع جزاء لعدم الاعلام من جهة ولم يحدد اجلا للاعلام من جهة اخرى وانه والحالة هذه فان اعلام مشتري الاصل التجاري للمالك بشراء الاصل التجاري ولو اثناء سريان الدعوى كاف لترتيب آثاره وهو ما قرره في قراره عدد 1279 الصادر بتاريخ 16-10-2002 " ، وهو منطق قانوني يوافق ما قررته الفصول 36-37-38 من ظهير 24-05-1955 من حصانة لحق الكراء في حذ ذاته من جهة وحق المكتري في التخلي عنه من جهة اخرى.
2 – اسباب الافراغ التي ترجع لحالة المحل المكرى :
أ - حالة عدم صلاحية المحل للسكنى لانعدام شروط السلامة فيه :
لقد نص الفصل 11 في بنذه الثاني على حق المكري إفراغ المكتري دون تعويض إذا اثبت ان المحل اصبح يشكل خطرا على المكتري او الجيران او المارة مراعاة من المشرع للصحة العامة والسلامة، ففي هذه الحالة يختص قاضي المستعجلات بالافراغ اذا كان سبب الافراغ يكتسي طبيعة الاستعجال كتداعي المحل للسقوط ، لانه يتعين هدم المحل كليا او جزئيا وذلك بشهادة ادارية من السلطة المحلية بناءا على معاينة اللجنة التقنية او الصحية تقضي بخطورة المحل وضرورة هدمه واعادة بناءه، لكنه للمكتري المنازعة في صحة الشهادة المذكورة ويبقى للمحكمة تقدير صحة دفوعات كلا الطرفين والامر باجراء خبرة للتحقق من ذلك، ويبقى للمكتري حق الرجوع إلى المحل في حالة إعادة بنائه من جديد بشكل يصلح فيه للتجارة طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصلين 13 و 14 كما تمت الإشارة الى ذلك، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى عدد 2175 بتاريخ 30-10-1989 " لكن حيث ان القرار المطعون فيه حين قضى على الطاعن بإفراغ المحل الذي يشغله بالعمارة انما استند على ما انكشف له من قيام عنصر الاستعجال المتمثل في الخطر الداهم الناجم عن انهيارها المرتقب بسبب تلاشي بنائها دون المساس بما قد تكون للطالب من حقوق تضمنها أحكام ظهير 24-05-1955 مما يجعل الوسيلة غير جديرة بالاعتبار .
ب - حالة اندثار المحل او عدم صلاحيته للاستعمال بسبب القوة القاهرة :
فقد نص الفصل 659 من ق ل ع على حالة اخرى من اسباب الافراغ دون تعويض وهي حالة القوة القاهرة التي تمنع من استغلال المحل المكرى، وذلك عندما يصبح غير صالح اثر تعيبه الجزئي او الكلي دون خطأ من احد المتعاقدين ، ذلك ان عقد الكراء ينفسخ من غير ان يكون لأي من طرفي الدعوى على الاخر أي حق في التعويض .
مطلب ثاني : حماية الحق في الكراء بمقتضى مدونة التجارة وقانون المحاكم التجارية.
لقد تضمنت مدونة التجارة مقتضيات قانونية قد تكمل المظاهر الحمائية لحق الكراء التجاري بمقتضى ظهير 24-05-1955 وقد تتعارض معها، وقد كشف القضاء في غير ما مرة على الصعوبات والاشكالات العملية بهذا الشأن، وهي تلك المقتضيات المتعلقة بدعوى الفسخ طبقا للمادة 112 من مدونة التجارة والمقتضيات المتعلقة بصعوبات المقاولة في الباب الخامس من نفس المدونة، كما ان انشاء المحاكم التجارية قد خلق اشكالات قانونية في تحديد المحكمة المختصة للبت في النزاع المتعلق بالحق في الكراء.
اولا : حماية الحق في الكراء بمقتضى مدونة التجارة :
1 - حماية الحق في الكراء عن تقديم دعوى الفسخ .
تنص المادة 112 من مدونة التجارة " على انه اذا اقام المالك دعوى بفسخ كراء العقار الذي يستغل فيه أصل تجاري مثقل بتقييدات ، وجب عليه ان يبلغ طلبه الى الدائنين المقيدين سابقا، في الموطن المختار المعين في تقييد كل منهم ولا يصدر الحكم الا بعد ثلاثين يوما من هذا التبليغ.
لا يصبح الفسخ الرضائي للكراء نهائيا الا بعد ثلاثين يوما من تاريخ تبليغ الدائنين المقيدين في الموطن المختار لكل منهم" .
فغاية المشرع من سن هذا المقتضى ترمي الى حماية الكراء التجارية وبالتالي الاصل التجاري من سلطة المكري المسلطة على المكتري المخل بالتزاماته المتعلقة باداء واجبات الكراء المحمية بمقتضيات الفصل 26 من ظهير 24-05-1955 ، وهو ما عبر عنه قضاء المجلس الاعلى في قراره عدد 2044 بتاريخ 31-10-1984 بمناسبة تطبيقه لظهير 31-12-1914 المتعلق ببيع ورهن الاصل التجاري والذي تماثل مقتضياته مقتضيات مدونة التجارة في هذا الباب، فقد نص القرارعلى " أن الغاية من وجوب إعلام المكري للدائن المرتهن بفسخ عقد الكراء هو أن يتمكن هذا الأخير من الدفاع والمحافظة على عناصر الاصل التجاري التي تتأثر بفسخ العقد وان اخلاله بهذا الالتزام القانوني يعد مسؤولية تقصيرية يتمثل جزاؤها في التزامه بتعويض جميع الاضرار التي يتعرض لها الدائن بسبب فسخ العقد الذي وقع على غير علم منه وادى الى تبديد عناصر الاصل التجاري المرهون".
وعلى الاهمية البالغة لهذا المقتضى الذي يرمي الى حماية الدائنين المقيدين وكذا الأصل التجاري من خلال حماية الحق في الكراء كعنصر جوهري في هذا الاصل، الا انه ينطوي على صعوبات عملية وحيف جسيم في حق المكري صاحب الملكية العقارية وتغطية على اخطاء المكتري المخل بالتزاماته اتجاه المكري، ذلك انه كيف للمكري ان يعلم بوجود دائنين مقيدين للأصل التجاري، ولماذا تم تقييد اصدار المحكمة للحكم بفسخ عقد الكراء حتى تمر 30 يوما من على التبليغ؟ اذ كيف يمكن للمحكمة العلم بوجود دائنين مقيدين، قد تتصور هذه الإمكانية بإلزام المكرى رافع دعوى الفسخ بالادلاء بمستخرج من تقييد المكتري بالسجل التجاري، وبعد ذلك انذار المكري المدعي بالادلاء بما يفيد اعلام الدائنين المقييدين ان وجدوا بدعوى الفسخ او القيام بذلك من طرف المحكمة تلقائيا.
لكن الاشكال قد يدق عندما لا يتم تقييد دين الدائنين المقييدين الا بعدما تكون الدعوى قد قطعت اشواطا هامة في اجراءاتها في حين يكون المدعي المكري قد ادلى بمستخرج من تقييد المكتري بالسجل التجاري لا يتضمن أي تقييد لدين، فهل تتم مساءلة المكري عن ذنب لم يقترفه رغم انه قام بالتزامه القانوني؟ وما هو مصير الحكم الذي صدر دون ثبوت اعلام المكري للدائنين المقييدين رغم انه ليس هناك اية تقنية للعلم بواقعة التقييد لا من طرف المكري ولا من طرف المحكمة؟.
وقد نتج عن تطبيق هذا المقتضى صعوبات عملية عند تنفيذ الحكم القاضي بفسخ عقد الكراء التجاري وافراغ المكتري ، ذلك ان الدائنين المقيدين - خاصة الابناك - يدفعون بصعوبة التنفيذ استنادا لهذا المقتضى ان علموا اساسا بمسطرة التنفيذ، فقد جاء في امر استعجالي عن رئيس المحكمة الابتدائية بالبيضاء بتاريخ 05-11-1984 تحت عدد 4620 " وحيث ان البنك الدائن والذي يتوفر على رهن للأصل التجاري المراد بيع منقولاته من طرف قباضة ابن رشد باسفي يؤكد بانه لم يتوصل باي اعلام من هذا القبيل وعليه يتعين الامر بايقاف اجراءات التنفيذ التي يمارسها قابض اسفي الى حين اعلام ارباب الديون المضمونة برهون على الاصل التجاري" .
ان هذا المقتضى يقتضي في نظرنا تدخلا تشريعيا يلزم بمقتضاه المكتري، بدلا من المكري، باعلام الدائنين المقيدين بدعوى الفسخ المرفوعة ضده لانه اعلم بديونه من غيره، تحت طائلة سقوط اجل الدين وترتيب مسؤوليته في التعويض، حتى لايتم ارهاق المكري بمساطر لا حول له معها ولا قوة، حتى يمكن للدائنين المذكورين التدخل في الوقت المناسب ان رغبوا في الحفاظ على ضمانة دينهم المتمثلة في الاصل التجاري الى التوافق مع المكتري واداء واجبات الكراء ان كان سبب طلب فسخ عقد الكراء يرجع للتماطل في اداء الكراء طبقا للفصل 26 من ظهير 24-05-1955 ، او القيام بالحجوزات اللازمة على عناصر الاصل التجاري للمحافظة على حقهم في استخلاص الدين.
وهناك من الفقه والقضاء من اقترح بان يرفق مقال دعوى الفسخ وجوبا بالنموذج "7" " ج" للاصل التجاري حتى تتأكد المحكمة من وجود الرهن ، ومن مراقبة احترام المالك لشكلية اشعار الدائن المرتهن بدعوى الافراغ .
2- حماية الحق في الكراء في اطار صعوبات المقاولة.
لقد نحى المشرع في الباب الخامس من مدونة التجارة منحى فلسفة حمائية هاجسها استمرار حياة المقاولة، بتوفير مختلف الوسائل القانونية والاجهزة القضائية لتحقيق هذا الهدف، وباعتبار ان الحق في الايجار هو قطب الرحى في بعض المقاولات فقد اوجد له المشرع غطاءا قانونيا يحميه من عواصف الدعاوي القضائية التي قد يتشفى اصحابها من الوضعية المريضة للمقاولة او محاولة منهم استخلاص ما يمكن استخلاصه من حقوقهم سواء في بداية اطوار المعالجة خلال مرحلة التسوية الودية او التسوية القضائية او عند التصفية القضائية.
أ- الحماية المقررة للحق في الكراء خلال التسوية الودية :
تنص المادة 555 من مدونة التجارة على ان " اذا رأى المصالح ان الوقف المؤقت للاجراءات من شأنه تسهيل ابرام اتفاق ، امكنه ان يعرض الامر على رئيس المحكمة ، ويمكن لهذا الاخير بعد الاستماع لرأي الدائنين الرئيسيين ، ان يصدر امرا يحدد مدة الوقف في اجل لايتعدى مدة قيام المصالح بمهمته ، يوقف هذا الامر ويمنع كل دعاوى قضائية يقيمها جميع الدائنين ذوي دين سابق للأمر المشاراليه تكون غايتها :
1- الحكم على المدين بسداد مبلغ مالي .
2- فسخ عقد لعدم سداد مبلغ مالي......" .
هكذا فانه بعد صدور الأمر بوقف الإجراءات الذي يتيح للسنديك القيام بمهمته خلال ثلاثة اشهر مع اضافة شهر واحد، فان الدعوى التي تهدف إلى أداء الوجيبة الكرائية عن مدة سابقة للامر ، والذي من شأنه عند التماطل الحكم بالإفراغ على المكتري صاحب المقاولة، يتم قطع دابرها من الأساس و لا يتم قبولها، وحتى في حالة رفعها فانه يتم وقفها او وقف تنفيذ الحكم الصادر بشأنها، وذلك إشفاقا على حالة المقاولة المريضة التي تحتاج إلى من يواسيها ويدعمها بالسيولة المالية أو إمهالها إلى حين شفائها واذا تعذر عليها الوفاء بديونها، استخلاص حقوقه عند تصفية تركتها.
كما يتم وقف اجل مسطرة الصلح اذا كانت المقاولة قد توصلت بالانذار بالافراغ المنصوص عليه بالفصل 26 من ظهير 24-05-1955 والمتعلق بالافراغ لعدم اداء الوجيبة الكرائية اذا تعلقت المدة المطالب بواجب الكراء عنها بمدة سابقة عن لصدور الامر بوقف الاجراءات، ليكون قانون مدونة التجارة قد تجاوز قاضي الفصل 26 من ظهير 24-05-1955 ، وأعطى مهلة للمقاولة من اجل الأداء، لم يكن لها لتستفيد منها الا اذا اشفق القاضي من حالها وفقا لسلطته التقديرية حسب نص الفصل الاخير.
ب- الحماية المقررة للحق في الكراء خلال التسوية القضائية :
يتم فتح التسوية القضائية في حقها لمعالجة اختلالاتها بطلب من الأجهزة المخول لها ذلك قانونا طبقا للفصول 563-568-573- 606 من مدونة التجارة، وتتوقف مباشرة الاجراءات والدعاوى الرامية الى اداء المقاولة لمبالغ مالية دون الحاجة الى صدور امر بوقف الاجراءات، وخلال هذه المرحلة يكون للسنديك السلطة الواسعة في التقرير بشأن العقود الجارية ومن بينها عقد الكراء التجاري وهو ما يطرح عدة اشكالات قد تعترض المكري وكذا السنديك بخصوص هذا العقد والمتمثلة اساسا في صفة السنديك وما اذا كان يتقمص صفة رئيس المقاولة المكتري وبالتالي يكون ملزما بالتزاماته الجسيمة الملقاة على عاتق المكتري بمقتضى ظهير 24-05-1955 والتي قد تحدد مصير المقاولة (الاصل التجاري) وجودا او عدما اذا ما انفصمت العلاقة الكرائية لعدم سلوك المساطر القانونية وفق الاجال والشكليات المنصوص عليها في الظهير المذكور ام ان المكتري (رئيس المقاولة) يبقى هو الملتزم اتجاه المكري؟
ج- الحماية المقررة لحق الكراء التجاري خلال التصفية القضائية :
ففي حالة التصفية القضائية تكون احتمالات انقاذ القاولة قد تلاشت لتوقفها عن الدفع من جهة ولاختلال وضعيتها بشكل لا رجعة فيه لم تفلح معه مساطر التسوية في معالجة الوضع الصحي للمقاولة ويتم الحكم بموتها وتصفية تركتها، ومن بين هذه التركة هو الحق في الكراء الذي خصه المشرع بمقتضيات الفصل 621 من مدونة التجارة التي تنص على انه :
" لا تؤدي التصفية القضائية، بقوة القانون، إلى فسخ عقد كراء العقارات المخصصة لنشاط المقاولة.
يمكن للسنديك الاستمرار في الكراء أو تفويته حسب الشروط المنصوص عليها في العقد المبرم مع المكري مع جميع الحقوق والالتزامات المتصلة بهذا الكراء.
إذا قرر السنديك عدم استمرار الكراء فسخ العقد بمجرد طلب منه. و يسري أثره من يوم الطلب.
يجب على المكري الذي يعتزم طلب الفسخ أو معاينة حصوله لأسباب سابقة للحكم بالتصفية القضائية أن يرفع، إن لم يفعل ذلك من قبل، طلبه داخل ثلاثة أشهر من صدور الحكم ".
فللمكري طلب فسخ عقد الكراء في مواجهة السنديك، لا المقاولة، على اعتبار ان المقاولة في حالة التصفية القضائية تكون قد فقدت اهليتها وصفتها في التقاضي ، ويستثنى طبقا طلبات الفسخ لعدم اداء الواجبات الكرائية السابقة عن فتح المسطرة طبقا للفصل 653 من مدونة التجارة .
هكذا يتضح ان المشرع حاد بالعلاقة التعاقدية المتعلقة بالكراء التجاري عن سلطة المتعاقدين حيادا عن مقتضيات كل من ق ل ع و ظهير 25-12-1980 و ظهير 24-05-1955 ليجعلها بيد سلطة "الدولة" في شخص السنديك المعين من طرف المحكمة الذي له السلطة التقديرية للتقرير في مصير الحق في الكراء موازنة منه لحقوق الدائنين و مبدأ حماية استمرار المقاولة (الاصل التجاري) ولو في اللحظات الاخيرة لحياتها وهي وذلك مراهنة من المشرع على القيمة المالية للحق في الكراء وتأثيره المباشر على القيمة الكلية للاصل التجاري فبضمان استمرار هذا الكراء يتم ضمان اكبر قدر من السيولة المالية لتغطية الديون حتى التصفية النهائية للمقاولة.
ثانيا : حماية الكراء التجاري بمقتضى قانون المحاكم التجارية.
لقد ابان التطبيق القضائي بعد احداث المحاكم التجارية بمقتضى القانون رقم 95-53 عن اختلاف في تحديد الاختصاص في تطبيق مقتضيات ظهير 24-05-1955، فاتجاه قضى باسناد الاختصاص للمحاكم الابتدائية واتجاه اخر اسنده للمحكمة التجارية واتجاه يرى باختصاص كل منهما حسب الحالات ، مما اثر سلبا على الحماية المقررة للحق في الكراء.
اولا : صور تنازع الاختصاص النوعي في مادة الكراء التجاري.
أ- الاتجاه المؤييد الاختصاص المحاكم الابتدائية.
يستند الاتجاه الفقهي والقضائي القاضي باسناد الاختصاص في مادة الكراء التجاري للمحاكم الابتدائية بدلا عن التجارية لعدة اعتبارات، ذلك ان المصدر التاريخي لظهير 24-05-1955 المتعلق بالكراء التجاري كما رأينا في مقدمة هذا العرض هو القانون الفرنسي، والذي اسند الاختصاص في النزاعات المتعلقة بقانون الكراء للمحاكم الابتدائية الكبرى في فرنسا لا للمحاكم التجارية، واستنادا الى كون كراء العقار هو عمل مدني محظ استنادا للمادة 6 من مدونة التجارة، وانه بمقتضى نفس المدونة فان نص الفصل 736 منها لم يعتبر عقد الكراء التجاري عقدا تجاريا، و أن المنازعات بين المكتري والمكري المحددة بظهير 24-05-1955 بخصوص المحل المعد للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي لا تعتبر منازعة تتعلق بالأصل التجاري وانما منازعة متعلقة بعقد كراء شأنها في ذلك شأن أية منازعة قد تنصب على بعض عناصر الأصل التجاري الأخرى لذا فإن البث فيها يرجع للمحاكم العادية التي لها الولاية العامة لا المحكمة التجارية.
اضافة الى أن مشرع قانون المحاكم التجارية في المادة 20 من قانون هذه المحاكم التجارية لم يلغ مقتضيات الفصل 27 من ظهير 24-05-1955 الذي يسند الاختصاص في المنازعة في الانذار للمحكمة الابتدائية، كما ان اختصاص المحاكم التجارية هو اختصاص استثنائي ولا يجب التوسع فيه لانه يتعلق بحالات خاصة واشخاص معيينين.
كما يستند هذا الاتجاه الى مبرر موضوعي يتمثل في قلة عدد المحاكم التجارية ( 9 محاكم تجارية و 3 محاكم استئناف تجارية) مترامية الاطراف في ربوع المملكة، مما يصعب معه تتبع المكتري لمساطر ظهير 24-05-1955 الضاربة في الاجراءات المسطرية المتعددة والمعقدة اذا كان يقطن بمسافة بعيدة قد تصل الى 500 كلم ( مكتري بالسمارة- المحكمة التجارية باكادير) ، في حين ان الامر قد يتعلق بمحل تجاري قد لا تزيد سومته الكرائية عن 400,00 درهم او اقل.
وقد سار في هذا الاتجاه قضاء المحكمة التجارية في فاس بمقتضى القرار رقم 58/98 بتاريخ 14-09-1998 ملف عدد 98/98 .
ب - الاتجاه المؤيد لاختصاص المحاكم التجارية :
يستند هذا الاتجاه الفقهي والقضائي لتزكية موقفه على تفسيره لنص الفصل 5 من قانون المحاكم التجارية الذي ينص على انه :
"تختص المحاكم التجارية بالنظر في:
1- الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية؛
2- الدعاوى التي تنشأ بين التجار و المتعلقة بأعمالهم التجارية؛
3- الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية؛
4- النزاعات الناشئة بين شركاء في شركة تجارية؛
5- النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية؛
و تستثنى من اختصاص المحاكم التجارية قضايا حوادث السير.
يمكن الاتفاق بين التاجر و غير التاجر على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما قد ينشأ بينهما من نزاع بسبب عمل من أعمال التاجر.
يجوز للأطراف الاتفاق على عرض النزاعات المبينة أعلاه على مسطرة التحكيم وفق أحكام الفصول 306 إلى 327 من قانون المسطرة المدنية".
فيرى هذا الاتجاه أن نص المادة المذكورة جاء على اطلاقه بكون المحاكم التجارية تختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية دون حصر اختصاص هذه المحاكم في العقود المتعلقة بالأصل التجاري المحدد بمقتضى المادة 723 من مدونة التجارة، وانما يحتوي كل نزاع حول هذا الأصل بما فيها الحق في الكراء الذي يعتبر احيانا من اهم عناصر الاصل التجاري، وانه لا يمكن تصور تطبيق ظهير 24-05-1955 الا بوجود اصل تجاري، وهو ما ذهبت اليه محكمة الاستئناف التجارية بمراكش في قرارها عدد 105/1998 بتاريخ 21-10-1998 ملف رقم 107/98 .
ج- الاتجاه المؤيد لازدواجية الاختصاص .
يربط هذا الاتجاه اختصاص المحاكم في تطبيق مقتضيات ظهير 24-05-1955 الى صفة كل من المكري والمكتري وطبيعة الكراء بالنسبة لكل منهما ، وان نزاعات ظهير 24-05-1955 لا تدخل ضمن مقتضيات المادة 5 من قانون المحاكم التجارية بصفة مطلقة .
فإذا كان الطرفين المكري والمكتري تاجرين فإن الاختصاص ينعقد للمحاكم التجارية لان عقد الكراء يكون بالنتيجة عقدا تجاريا، وانه استنادا للمادة 5 من قانون المحاكم التجارية، فان هذه المحاكم تختص في الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية.
أما في حالة العقد المختلط لكون احد طرفيه تاجر فان الامر يختلف بالنظر الى صفة كل منهما، فإذا كان المكري غير تاجر والمكتري تاجر فان المحاكم المختصة هي المحاكم الابتدائية ما لم يتم الاتفاق بين التاجر وغير التاجر على إسناد الاختصاص للمحكمة
التجارية استنادا للمادة 4 من مدونة التجارة.
لكن هل ان مناط اعتبار العقد تجاريا يرتبط فقط بالصفة التجارية لطرفي عقد كراء الاماكن التي تستغل فيها انشطة تجارية، اذ يجب ان يكون العقد مرتبطا بالحاجة التجارية لطرفيه، وكيف يكون عقد الكراء مرتبطا بالحاجة التجارية للمكري الذي قد يكون في حين انه ولو كان تاجرا فقد لا يرتبط نشاطه اطلاقا بالنشاط المزاول في محله الذي لاعلاقة له به في جميع الاحوال وان تصرفه ينحصر في كراء العقار الذي هو عمل مدني صرف وان علاقة الطرفين لا ترتبط بالصفة التجارية لكل منهما ، وبالتالي فانه يصعب تقبل هذه المبررات كاساس منطقي للقول باختصاص المحاكم التجارية للنظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق ظهير 24 ماي1955.
وعموما فقد تبنت هذا الاتجاه محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ، في قرارها قرار رقم 880/99 صدر بتاريخ 29/6/99 في الملف عدد 1102/99 .
ثانيا: تأثير تنازع الاختصاص على الحماية المقررة للحق في الكراء :
نروم من خلال هذه النقطة الى ابراز تجليات تأثير عدم الاستقرار القضائي في اسناد الاختصاص للبت في تطبيق المقتضيات المتعلقة بالحق في الكراء في ظل قصور تشريعي، كان الاجدر الا يسبب هذه الزوبعة لو تم تدارك الموقف بتحديد المحاكم المختصة بشكل صريح كما فعل المشرع الفرنسي، حتى لا تفرغ مقتضيات ظهير 24-05-1955 ، على علاتها، من محتواها، فبمراجعة الاتجاهات الفقهية والقضائية اعلاه لا يمكن التسليم بوجاهة اتجاه دون غيره لان كل منها له منطلقاته القانونية والموضوعية، وان المسؤولية تبقى على المشرع لتدارك الفراغ القانوني.
ذلك ان الاصل التجاري ينبني في الاساس على الاستقرار لذلك افرد له المشرع حماية استثنائية من بداية العقد حتى نهايته بل وحتى بعد نهايته او انتهائه كما يتضح باستقراء كل نقط على حدة من نقط هذا الموضوع، وان الاختلاف القضائي بين محكمة واخرى حتى داخل نفس الدائرة القضائية يعيق مسعى المكري والمكترى على حد سواء في استقصاء حقوقه، وهو ما قد يثني المكري من تسخير محله للكراء، او يجبر المكتري على انهاء عقد الكراء اما اختيارا لكونه لم يستسغ كثرة التنقلات من محكمة لاخرى لمواجهته بعدم الاختصاص كلما طرق باب احداها، او انه مل من الاجراءات والدعاوى وفاته الاجل القانوني للقيام بمسطرة من المساطر الواجب عليه اتباعها لضمان حقوقه، ما دام ام اجال ظهير 24-05-1955 هي اجال قصيرة، اطولها سنتين الذي هو اجل سقوط لا يتم قطعه او وقفه، كما هو الحال في اجال التقادم التي يتم قطعها ولو قدمت الدعوى الى قاض غير مختص او حكم بعدم قبولها لعيب في الشكل طبقا للفصل 381 من ق ل ع، هذا ان لم تكن عناصر الاصل التجاري قد اندثرت بسبب انشغال المكتري بالمساطر القضائية عوض زبانائه وتوريداته ... الخ.
وما قد يزيد من طول المساطر وتعقدها هو قضاء كل من المحكمة التجارية والمحكمة العادية (سواء ابتدائيا او استئنافيا) اما بعد اختصاصهما معا او اختصاصهما معا ، فالحكم والحالة هاته هو المجلس الاعلى باعتباره المحكمة الاعلى درجة منهما معا طبقا للفصل 13 من قانون 14-90 من قانون المحاكم الادارية والمادة 353 من ق م م .
وفي انتظار تدخل المشرع، بالمصادقة على مقترح قانون 06-33-5، فقد تدخل المجلس الاعلى واستقر على جعل الاختصاص للمحاكم التجارية في العديد من قراراته المتواترة، بداية بقراره عدد 2248 بتاريخ 14-11-2001 ملف تجاري عدد 2227/00، اذ جاء في حيثياته : " ... المادة 5 من القانون المحدث للمحاكم التجارية أسندت الاختصاص لهذه الأخيرة بالنسبة للنزاعات المتعلقة بالأصول التجارية وأن حق التوبة يخضع لمسطرة تجديد عقد كراء محل معد للتجارة الذي هو أحد عناصر الأصل التجاري الداخل في النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية ... وان دعوى التوبة المقدمة من طرف المكري سجلت ... بعد دخول القانون المحدث للمحاكم التجارية حيز التنفيذ بأكثر من سنة، ومحكمة الاستئناف التي ردت دفعة طاعنة بعدم اختصاص المحاكم العادية ... يكون قرارها فاسد التعليل الموازي لانعدامه، لكون دعوى التوبة المقدمة استقلالا للمحكمة وبصرف النظر عما لم يتناول في هذا الموضوع قدمت مستقلة عن دعوى النازعة في أسباب الإنذار وبعد دخول القانون المحدث للمحاكم التجارية حيز التطبيق مما يعرضه للنقض ".
وقد سار قضاء الموضوع في هذا التوجه كما جاء في قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس رقم " 450" الصادر بتاريخ 28-03-2006 ملف عدد 446-06، وقرارها رقم " 508" الصادر بتاريخ 04-04-2006 ملف عدد 409-06.
في حين ذهب مقترح القانون رقم قانون 06-33- 5 رقم قانون 06-33- 5 رقم قانون 06-33- 5 في المادة 30 على أنه :
" تختص المحاكم التجارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق هذا القانون، غير أنه في المناطق التي لا توجد بها المحاكم المذكورة، فإن المحاكم الابتدائية الموجودة بدائرتها المحلات التجارية أو الصناعية أو الحرفية هي المختصة للبت في النزاعات المتعلقة بهذا القانون" .
خاتمــــــــــــــــــــــــــــــة :
يتبين من خلال استعراض مختلف الجوانب المرتبطة بالتطبيق القضائي لنصوص ظهير 24-05-1955 المتعلق بالكراء التجاري، بان القضاء اقر مجموعة من القواعد لسد الفراغات التي تعتري الظهير المذكور، والناتجة احيانا عن اخطاء في الترجمة واحيانا عن التبويب غير المنسجم لابوابه بالخلط بين القواعد الاجرائية والقواعد الموضوعية ، واحيانا اخرى اثر عدم تحيين مقتضياته وفق القوانين المستحدثة على مستوى التنظيم القضائي وقانون المسطرة المدنية مما يصعب معه فهم قصد المشرع.
وقد كشف التطبيق القضائي عن عورة هذا القصور التشريعي من خلال الممارسة القضائية لازيد من نصف قرن من الزمن، مما ادى الى تضارب الاحكام القضائية سواء على مستوى محاكم الموضوع اوحتى على مستوى قضاء اقسام الغرفة الواحدة بالمجلس الاعلى، فقد اتخذ المجلس الاعلى اجتهادات معينة وتراجع عنها، في غير ما مرة، ليتم الرجوع بعد ذلك للاتجاه الاول، مما استدعى، في بعض الحالات، تدخل مجلس الرؤساء للتنبيه الى ضرورة توحيد الاتجاه ، كما مر معنا بخصوص امكانية الخيار بين القواعد العامة وظهير 24-05-1955 للافراغ من اجل التماطل في اداء واجبات الكراء.
ونتمنى ان يفتح النقاش مليا بخصوص مقترح القانون رقم 06-33- 5 المتعلق قانون كراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري والصناعي والحرفي ، على مستوى جميع المعنيين من حقوقيين وجامعات ووزارات وصية حتى لا تتكرر تجربة ظهير 24-05-1955 الذي انقلبت الغاية منه، احيانا، الى نقيض القصد فعوض تكريس الحماية للمكتري في حدود عدم الاضرار بالمالك ارهق الطرفان معا بمساطر واجرارءات لاحول لهما ولا قوة، واعتماد الاجتهادات التي استقر عليها المجلس الاعلى حتى تكون نقطة النهاية في تطبيق ظهير 24-05-1955 هي نقطة البداية في تطبيق مقترح القانون المذكور ان كتب له الوجود، سيما وان نشر المعلومة القضائية والقانونية قد اصبح في متناول الجميع بفضل وسائل الاعلام والاتصال الحديثة.
ذلك ان حماية استقرار الاصل التجاري بتكريس ثباته عبر سن قواعد حمائية للحق في الكراء تراعي حقوق المكري كذلك، هي الاساس لخلق الثروة ودورة الرأسمال حتى لا يعزف اصحاب العقارات عن كرائها، ما دام انها في حذ ذاتها تعتبر خزانا ماليا تزيد قيمته يوما بعد يوم تغنيهم عن المساطر القضائية، وحتى لا يتم اضعاف الضمانة المالية للدائنين المقيدين على الاصل التجاري وبالتالي عزوفهم عن اقراض المكتري والتسبب، وان بدون قصد، في الركود الاقتصادي وما يستتبعه من اثار اجتماعية لا تعفي ولا تذر.
مبحث أول : نطاق حماية الكراء التجاري قبل اكتساب الحق في الكراء
مطلب أول : ضمانات المكتري قبل اكتسابه الحق في الكراء
1- تطبيق ظهير 25-12-1980 بدلا عن القواعد العامة.
2 - ضمانات المكتري عند مراجعة السومة الكرائية
3 - ضمانات المكتري خلال مسطرة إنهاء العلاقة الكرائية
مطلب ثاني : حالات سقوط الضمانات الحمائية للمكتري.
1- حالة إخلال المكتري بالتزاماته القانونية.
2- حالة تولية الكراء والتخلي عنه :
مبحث ثاني : ضمانات حماية المكتري عند اكتساب الحق في الكراء
مطلب اول- حدود حماية المكتري خلال مسطرة افراغ المحلات التجارية.
اولا : ضمانات حماية المكتري عند المطالبة بالافراغ.
1- الضمانات المسطرية .
أ- الضمانات المتعلقة بنص الانذار .
ب- الضمانات خلال مسطرة اجراء الصلح .
2- الضمانات الموضوعية المتعلقة بسبب الإفراغ .
أ- حالة استحقاق المكتري للتعويض الكامل .
ب - التعويض الجزئي في حالة الهدم لإعادة البناء.
ج- التعويض الجزئي عن الإفراغ للاحتياج للسكنى.
ثانيا – حالات سقوط الضمانات المقررة للمكتري.
1- أسباب الإفراغ التي ترجع لشخص المكتري .
أ - حالة اخلال المكتري بالتزام قانوني او عقدي .
ب- حالة تولية الكراء للغير او التخلي عنه .
2 - اسباب الافراغ التي ترجع لحالة المحل المكرى.
أ - عدم صلاحية المحل لانعدام شروط السلامة فيه.
ب - حالة اندثار بسبب القوة القاهرة :
مطلب ثاني : حماية الحق في الكراء بمقتضى مدونة التجارة وقانون المحاكم التجارية.
اولا : حماية الحق في الكراء بمقتضى مدونة التجارة :
1 - حماية الحق في الكراء عن تقديم دعوى الفسخ .
2- حماية الحق في الكراء في اطار صعوبات المقاولة.
أ- حماية الحق في الكراء خلال التسوية الودية.
ب- حماية الحق في الكراء خلال التسوية القضائية
ج- حماية الحق الكراء خلال التصفية القضائية .
ثانيا :حماية الحق في الكراء بمقتضى قانون المحاكم التجارية.
1 : صور تنازع الاختصاص النوعي في مادة الكراء التجاري.
أ- الاتجاه المؤييد الاختصاص المحاكم الابتدائية.
ب - الاتجاه المؤيد لاختصاص المحاكم التجارية :
ج- الاتجاه المؤيد لازدواجية الاختصاص .
2 : تأثير تنازع الاختصاص على حماية الحق في الكراء.
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــة
قائمة المراجع
-الكتــــــــــــــــــــــــــب :
1- محمد الكشبور، الحق في الكراء عنصر في الأصل التجاري، سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة 2 مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الاولى 1998..
2- احمد عاصم، الحماية القانونية للكراء السكني والمهني، دار النشر المغربية 1996
3-عبد الفتاح بنوار، مجموعة قانون الأعمال، مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى 2000.
4- محمد الفروجي، التاجر وقانون التجارة بالمغربن سلسلة الدراسات القانونية 1 ، مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الاولى 1997.
5- عبد السلام الزوير، الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية و اشكالياته العملية، مكتبة دار السلام الرباط 2004.
6- محمد المجدوبي الادريسي ، المحاكم التجارية بالمغرب دراسة تحليلية نقذية الطبعة الاولى مطبعة بابل للطباعة والنشر ص 88.
المجـــــــــــــــــــــــــلات :
1- المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن العدد 23 الصادرة عن كلية الحقوق بمراكش 1995.
2-مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 49-50 يوليوز 1997 دار نشر المعرفة للنشر والتوزيع .
3- -مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 53-54-يوليوز 1999 مطبعة الامنية الرباط .
4- مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 55-يناير 2000 مطبعة الامنية الرباط .
5- مجلة قضاء المجلس الاعلى عدد 57-58-يوليوز 2001 مطبعة الامنية الرباط .
6- مجلة القانون الاقتصادي العدد 1 دجنبر 2007 مطبوعات الهلال وجدة 2007.
7- مجلة المحاكم التجارية العدد 3-4 منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، وزارة العدل الرباط 2009.
- الندوات والمحاضرات :
1-ندوة عمل المجلس الاعلى والتحولات الاقتصادية والاجتماعية المنظمة من طرف المجلس الاعلى بتاريخ 18-20-دجنبر1997 بالرباط بمناسبة تخليد الذكرى الاربعينية لتأسيسه ، مطبعة الامنية الرباط.
2-الندوة الجهوية الاولى للمجلس الاعلى بعنوان " قضايا كراء الاماكن السكنية والمهنية والمحلات التجارية من خلال اجتهادات المجلس الاعلى" المنظمة من طرف المجلس الاعلى بتاريخ 22-23-فبراير 2007 بفاس بمناسبة تخليد الذكرى الخمسينية لتأسيسه ، مطبعة الامنية الرباط.
3-الندوة الجهوية الاولى للمجلس الاعلى بعنوان " صعوبات المقاولة وميدان التسوية القضائية من خلال اجتهادات المجلس الاعلى" المنظمة من طرف المجلس الاعلى بتاريخ 21-22-يونيو 2007 بطنجة بمناسبة تخليد الذكرى الخمسينية لتأسيسه ، مطبعة الامنية الرباط.
4- عبد الرحيم اشميعة، محاضرات في القانون التجاري ملقاة على طلبة ماستر قانون المنازعات بمناسبة مناقشة عروض المادة، كلية الحقوق بمكناس،السنة الجامعية 2008-2009.
5- لطيفة اهضمون نمحاضرات في الكراء التجارية ملقاة على الملحقين القضائئن فوج 29 2000-2002 بالمعهد الوطني للدراسات القضائية .
البحوث والمقالات :
1-عبد المجيد مليكي التنفيذ على الاصل التجاري ، رسالة نهاية التمرين بالمعهد الوطني للدراسات القضائية بالرباط فوج 29 2000-2002
2-الملكي الحسين بعنون "ملاحظات ومقترحات حول مقترح قانون كراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري والصناعي والحرفي" منشور بجريدة العلم عدد 21081 يونيو 2008.
المواقع الالكترونية :
1- الموقع الالكتروني لوزارة العدل/ تشريع وقضاء/ بتاريخ 1-07-2009.
WWW.JUSTICE.GOV.MA2- الموقع الالكتروني لوزارة العدل/ بوابة عدالة / بتاريخ اجتهادات قضائية/ 08-07-2009.
WWW.JUSTICE.GOV.MA/ADALA.3- الموقع الالكتروني لمحكمة الاستئناف التجارية بمراكش/ اجتهادات قضائية/ بتاريخ 15-06-2009.
http://www.tcmarrakech.justice.gov.ma/tcmarrakech/ar/presentation/presentation.aspx4- الموقع الالكتروني لمحكمة الاستئناف التجارية بفاس/ اجتهادات قضائية/ بتاريخ 15-06-2009.
.
http://www.cacfes.ma المراجع باللغة الفرنسية :
-Georges Repert ,René Roblot, traite de droit commercial tome 1 , 16 édition, librairie générale de droit et de jurisprudence , e t a 1996, Paris.